دون تملك، فأما من أراد أن يعرفها ثم يتملكها فلا. وقد ذهب الجمهور إلى أن لقطة مكة لا تلتقط للتملك بل للتعريف خاصة. قال في الفتح: وإنما اختصت بذلك عندهم لامكان ايصالها إلى أربابها، لأنها إن كانت للمكي فظاهر، وإن كانت للآفاقي فلا يخلو أفق غالبا من وارد إليها، فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها، قال ابن بطال: وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية: هي كغيرها من البلاد ، وإنما تختص مكة بمبالغة في التعريف، لأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود، فاحتاج الملتقط لها إلى المبالغة في التعريف، واحتج ابن المنير لمذهبه بظاهر الاستثناء لأنه نفى الحل واستثنى المنشد، فدل على أن الحل ثابت للمنشد، لأن الاستثناء من نفي اثبات. قال: ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء، والسياق يقتضي تخصيصها.
قال الحافظ: والجواب أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم، والغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها، وصاحبها من وجدانها، لتفرق الخلق في الآفاق البعيدة، فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها من أول وهلة ولا يعرفها، فنهى الشارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها إلا من عرفها. وقال إسحاق بن راهويه: معنى قوله في الحديث: إلا لمنشد أي من سمع ناشدا يقول من رأى كذا فحينئذ يجوز لواجد اللقطة أن يرفعها ليردها على صاحبها، وهو أضيق من قول الجمهور، لأنه قيده بحالة للمعرف دون حالة، ويرد عليه قوله: إلا لمعرف، والحديث يفسر بعضه بعضا. وقد حكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه وأحد قولي الشافعي أنه لا فرق بين لقطة الحرم وغيره، واحتج لهم بأن الأدلة لم تفصل.
وعن منذر بن جرير قال: كنت مع أبي جرير بالبوازيج في السواد فراحت البقر فرأى بقرة أنكرها فقال، ما هذه البقرة؟ قالوا: بقرة لحقت بالبقر، فأمر بها فطردت حتى توارت ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا يأوي الضالة إلا ضال رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. ولمالك في الموطأ عن ابن شهاب قال:
كانت ضوال الإبل في زمن عمر بن الخطاب إبلا مؤبلة تتناتج لا يمسكها أحد، حتى إذا كان عثمان أمر بمعرفتها ثم تباع، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها.
حديث منذر أخرجه أيضا النسائي وأبو يعلى والطبراني في الكبير، والضياء في المختارة، ويشهد له ما في صحيح مسلم حديث زيد بن خالد بلفظ: لا يأوي الضالة إلا ضال