عن كونه أمينا وهو ممنوع، فإن المقتضي لذلك إنما هو التلف بخيانة أو جناية، ولا نزاع في أن ذلك موجب للضمان، إنما النزاع في تلف لا يصير به الأمين خارجا عن كونه أمينا كالتلف بأمر لا يطاق دفعه، أو بسبب سهو أو نسيان، أو بآفة سماوية ، أو سرقة أو ضياع بلا تفريط، فإنه يوجد التلف في هذه الأمور مع بقاء الأمانة.
وظاهر الحديث يقتضي الضمان وقد عارضه ما أسلفنا. وقال في ضوء النهار: إن الحديث إنما يدل على وجوب تأدية غير التالف، والضمان عبارة عن غرامة التالف اه. ولا يخفى أن قوله في الحديث: على اليد ما أخذت من المقتضي الذي يتوقف فهم المراد منه على مقدر وهو إما الضمان أو الحفظ أو التأدية، فيكون معنى الحديث على اليد ضمان ما أخذت، أو حفظ ما أخذت، أو تأدية ما أخذت، ولا يصح ههنا تقدير التأدية لأنه قد جعل قوله حتى تؤديه غاية لها، والشئ لا يكون غاية لنفسه. وأما الضمان والحفظ فكل واحد منهما صالح للتقدير، ولا يقدران معا لما تقرر من أن المقتضي لا عموم له، فمن قدر الضمان أوجبه على الوديع والمستعير، ومن قدر الحفظ أوجبه عليهما، ولم يوجب الضمان إذا وقع التلف مع الحفظ المعتبر، وبهذا تعرف أن قوله إنما يدل الحديث على وجوب التأدية لغير التالف ليس على ما ينبغي، وأما مخالفة رأي الحسن لروايته فقد تقرر في الأصول أن العمل بالرواية لا بالرأي.
وعن صفوان بن أمية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعار منه يوم حنين أدرعا فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة، قال: فضاع بعضها فعرض عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يضمنها له، فقال: أنا اليوم في الاسلام أرغب رواه أحمد وابن داود. وعن أنس بن مالك قال: كان فزع بالمدينة فاستعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرسا من أبي طلحة يقال له المندوب فركبه، فلما رجع قال:
ما رأينا من شئ وإن وجدناه لبحرا متفق عليه.
حديث صفوان أخرجه أيضا النسائي والحاكم، وأورد له شاهدا من حديث ابن عباس ولفظه: بل عارية مؤداة وفي رواية لأبي داود: أن الأدراع كانت ما بين الثلاثين إلى الأربعين ورواه البيهقي عن أمية بن صفوان مرسلا وبين أن الأدراع كانت ثمانين. رواه الحاكم من حديث جابر وذكر أنها مائة درع. وأعل ابن حزم وابن القطان طرق هذا الحديث. قال ابن حزم: أحسن ما فيها حديث يعلى