خلافا، وهكذا يقدم الدين على الوصية. قال في الفتح: ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية إلا في صورة واحدة، وهي ما لو أوصى لشخص بألف مثلا وصدقه الوارث وحكم به، ثم ادعى آخر أن له في ذمة الميت دينا يستغرق موجوده وصدقه الوارث، ففي وجه للشافعية أنها تقدم الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة، وأما تقديم الوصية على الدين في قوله تعالى: * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * (سورة النساء، الآية: 12) فقد قيل في ذلك إن الآية ليس فيها صيغة ترتيب، بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية، وأتى بأو للإباحة وهي كقولك: جالس زيدا أو عمرا، أي لك مجالسة كل واحد منهما اجتمعا أو افترقا. وإنما قدمت لمعنى اقتضى الاهتمام بتقديمها، واختلف في تعيين ذلك المعنى، وحاصل ما ذكره أهل العلم من مقتضيات التقديم ستة أمور، أحدها:
الخفة والثقل كربيعة ومضر، فمضر أشرف من ربيعة، لكن لفظ ربيعة لما كان أخف قدم في الذكر وهذا يرجع إلى اللفظ. ثانيها: بحسب الزمان كعاد وثمود. ثالثها:
بحسب الطبع كثلاث ورباع. رابعها: بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة، لأن الصلاة حق البدن والزكاة حق المال، فالبدن مقدم على المال. خامسها: تقديم السبب على المسبب كقوله تعالى: * (عزيز حكيم) * (سورة البقرة، الآية: 209). وقال بعض السلف: عز فلما عز حكم. سادسها: بالشرف والفضل كقوله تعالى: * (من النبيين والصديقين) * (سورة النساء، الآية: 69) وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي أن تقديم الوصية في الذكر على الدين، لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة، بخلاف الدين فإنه إنما يقع غالبا بعد الميت بنوع تفريط، فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل. وقال غيره: قدمت الوصية لأنها شئ يؤخذ بغير عوض، والدين يؤخذ بعوض، فكان إخراج الوصية أشق على الوارث من إخراج الدين، وكان أداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدمت الوصية لذلك، وأيضا فهي حظ فقير ومسكين غالبا، والدين حظ غريم يطلبه بقوة، وله مقال كما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن لصاحب الدين مقالا. وأيضا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه، فقدمت تحريضا على العمل بها بخلاف الدين. قال الزين بن المنير: تقديم الوصية في الذكر على الدين لا يقتضي تقديمها في المعنى لأنهما معا قد ذكرا في سياق البعدية، لكن الميراث يلي الوصية ولا يلي الدين في اللفظ، بل هو بعد بعده، فيلزم أن الدين يقدم في الأداء باعتبار القبلية فيقدم الدين على الوصية،