اختياره، قال في الفتح: ولا يخفى ضعف هذا التأويل، ولا يفهم من قوله وقفت وحبست إلا التأبيد حتى يصرح بالشرط عند من يذهب إليه، وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها حبيس ما دامت السماوات والأرض. قال القرطبي: راد الوقف مخالف للاجماع فلا يلتفت إليه انتهى. ومما يؤيد هنا ما ذهب إليه الجمهور حديث: أما خالد فقد حبس أدراعه وأعتده في سبيل الله وهو متفق عليه، وقد تقدم في الزكاة، ومن ذلك حديث أبي هريرة المذكور في أول الباب فإن قوله: صدقة جارية يشعر بأن الوقف يلزم ولا يجوز نقضه، ولو جاز النقض لكان الوقف صدقة منقطعة، وقد وصفه في الحديث بعدم الانقطاع. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يباع ولا يوهب ولا يورث كما تقدم، فإن هذا منه صلى الله عليه وآله وسلم بيان لماهية التحبيس التي أمر بها عمر، وذلك يستلزم لزوم الوقف وعدم جواز نقضه وإلا لما كان تحبيسا والمفروض أنه تحبيس، ومن ذلك حديث أبي قتادة عند النسائي وابن ماجة وابن حبان مرفوعا: خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها، وعلم يعمل به من بعده. والجري يستلزم عند جواز النقض من الغير، ومن ذلك وقف أبي طلحة الآتي. وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له: أرى أن تجعلها في الأقربين. وما روي من حديث أنس عند الجماعة أن حسان باع نصيبه منه، فمع كون فعله ليس بحجة روي أنه أنكر عليه، ومن ذلك وقف جماعة من الصحابة منهم علي وأبو بكر والزبير، وسعيد وعمرو بن العاص، وحكيم بن حزام وأنس وزيد بن ثابت، روى ذلك كله البيهقي، ومنه أيضا وقف عثمان لبئر رومة كما في حديث الباب. (واحتج) لأبي حنيفة ومن معه بما أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لما نزلت آية الفرائض: لا حبس بعد سورة النساء ويجاب عنه بأن في إسناده ابن لهيعة ولا يحتج بمثله، ويجاب أيضا بأن المراد بالحبس المذكور توقيف المال عن وارثه وعدم إطلاقه إلى يده، وقد أشار إلى مثل ذلك في النهاية. وقال في البحر: أراد حبس الجاهلية للسائبة والوصيلة والحام سلمنا، فليس في آية الميراث منع الوقف لافتراقهما انتهى. وأيضا لو فرض أن المراد بحديث ابن عباس الحبس الشامل للوقف لكونه نكرة في سياق النفي لكان مخصصا بالأحاديث المذكورة في الباب، واحتج لهم أيضا على عدم لزوم حكم الوقف بما رواه الطحاوي