أمكن هنا بحمل النهي على معناه المجازي وهو الكراهة، ولا يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أربيتما في حديث رافع المذكور، وذلك بأن يقال: قد وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه المعاملة بأنها ربا والربا حرام بالاجماع، فلا يمكن الجمع بالكراهة لأنا نقول: الحديث لا ينتهض للاحتجاج به للمقال الذي فيه، ولا سيما مع معارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة من طرق متعددة الواردة بجواز المعاملة بجزء معلوم، وكيف يصح أن يكون ذلك ربا وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه ومات عليه جماعة من أجلاء الصحابة، بل يبعد أن يعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعاملة المكروهة ويموت عليها، ولكنه ألجأنا إلى القول بذلك الجمع بين الأحاديث، وهذا ما نرجحه في المسألة، ولا يصح الاعتذار عن الأحاديث القاضية بالجواز بأنها مختصة به صلى الله عليه وآله وسلم لما تقرر من أنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا نهى عن شئ نهيا مختصا بالأمة وفعل ما يخالفه كان ذلك الفعل مختصا به. لأنا نقول: أولا النهي غير مختص بالأمة. وثانيا أنه صلى الله عليه وآله وسلم قرر جماعة من الصحابة على مثل معاملته في خيبر إلى عند موته. وثالثا: أنه قد استمر على ذلك بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من أجلاء الصحابة، ويبعد كل البعد أن يخفى عليهم مثل هذا، ومن أوضح ما استدل به على كراهة المزارعة بجزء معلوم حديث ابن عباس الآتي.
وعن أسيد بن ظهير قال: كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أو افتقر إليها أعطاها بالنصف والثلث والربع، ويشترط ثلاث جداول والقصارة وما يسقي الربيع، وكان يعمل فيها عملا شديدا ويصيب منها منفعة، فأتانا رافع بن خديج فقال:
نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر كان لكم نافعا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير لكم، نهاكم عن الحقل رواه أحمد وابن ماجة. والقصارة بقية الحب في السنبل بعدما يداس.
الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي بدون كلام أسيد بن ظهير، ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح. قوله: والقصارة قال في القاموس: والقصارة بالضم والقصرى بالكسر والقصر والقصرة محركتين، والقصرى كبشرى ما يبقى في المنخل بعد الانتخال، أو ما يخرج من ألقت بعد الدوسة الأولى والقشرة العليا من الحبة اه. قوله: عن