وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وتزوجها فقال له ثابت:
ما أصدقها؟ قال: نفسها أعتقها وتزوجها رواه الجماعة إلا الترمذي وأبا داود. وفي لفظ:
أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها رواه البخاري. وفي لفظ: أعتق صفية ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها رواه الدارقطني. وفي لفظ: أعتق صفية ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها رواه أحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه. وفي رواية:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اصطفى صفية بنت حيي فاتخذها لنفسه وخيرها أن يعتقها وتكون زوجته أو يلحقها بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته رواه أحمد، وهو دليل على أن من جرى عليه ملك المسلمين من السبي يجوز رده إلى الكفار إذا كان على دينه.
حديث أبي موسى فيه دليل على مشروعية تعليم الإماء وإحسان تأديبهن ثم إعتاقهن والتزوج بهن، وأن ذلك مما يستحق به فاعله أجرين، كما أن من آمن من أهل الكتاب يستحق أجرين بإيمانه بالنبي الذي كان على دينه، وأجرا بإيمانه بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه يستحق أجرين، وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه يصح أن يجعل العتق صداق المعتقة، ولكن الذي يدل على ذلك حديث أنس المذكور لقوله فيه: ما أصدقها قال نفسها وكذلك سائر الألفاظ المذكورة في بقية الروايات. وقد أخذ بظاهر ذلك من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وطاوس والزهري، ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق. وحكاه في البحر عن العترة والأوزاعي والشافعي والحسن بن صالح فقالوا: إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر. وذهب من عدا هؤلاء إلى أنه لا يصح أن يكون العتق مهرا، ولم يحك هذا القول في البحر إلا عن مالك وابن شبرمة. وحكي في موضع آخر عن أبي حنيفة ومحمد أنها تستحق مهر المثل لأنها قد صارت حرة، فلا يستباح وطؤها إلا بالمهر. وحكى بعضهم عدم صحة جعل العتق مهرا عن الجمهور، وأجابوا عن ظاهر الحديث بأجوبة ذكرها في فتح الباري. منها: أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها بها، ولكنه لا يخفى أن ظاهر الروايات أنه جعل المهر نفس العتق