وأجاب عنه في البحر بأنه أراد بالآية الزاني المشرك، واستدل على ذلك بقوله تعالى: * (أو مشركة) * (سورة النور، الآية: 3) قال: وهي تحرم على الفاسق المسلم بالاجماع. وأراد أيضا الزانية المشركة بدليل قوله: * (أو مشرك) * (سورة النور، الآية: 3) هو يحرم على الفاسقة المسلمة بالاجماع. ولا يخفى ما في هذا الجواب، لأن حاصله أن المراد المشرك الزاني والمشركة الزانية، وهذا تأويل يفضي إلى تعطيل فائدة الآية، إذ منع النكاح مع الشرك والزنا حاصل بغير هذه الآية، ويستلزم أيضا امتناع عطف المشرك والمشركة على الزاني والزانية، إذ قد ألغى خصوصية الزنا، وأيضا قد تقرر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قال ابن القيم: وأما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه في سورة النور، وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك، فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان، ثم صرح بتحريمه فقال: * (وحرم ذلك على المؤمنين) * (سورة النور، الآية: 3) وأما جعل الإشارة في قوله: * (وحرم ذلك) * إلى الزنا فضعيف جدا، إذ يصير معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك. وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القرآن، ولا يعارض ذلك حديث عمرو بن الأحوص وحديث ابن عباس المذكوران، فإنهما في الاستمرار على نكاح الزوجة الزانية، والآية وحديث أبي هريرة في ابتداء النكاح، فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته، ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية، وأما ما ذكر ه المقبلي في المنار من أنه لا يصح أن يراد به بقوله: لا ترد يد لامس الزنا بل عدم نفورها عن الريبة، فقصر للفظ المحتمل على أحد المحتملات بغير دليل، فالأولى أن ينزل ترك استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم عن مراده بقوله: لا ترد يد لامس منزلة العموم، ولا ريب أن العرب تكنى بمثل هذه العبارة عن عدم العفة عن الزنا. وأيضا حديث عمرو بن الأحوص من أعظم الأدلة على جواز إمساك الزانية لقول فيه: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن الخ، فتفسير حديث لا ترد يد لامس بغير الزنا لا يأتي بفائدة باعتبار محل النزاع. وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر أن من زنت لم ينفسخ نكاحها. وحكي أيضا عن المؤيد بالله أنه يجب تطليقها ما لم تتب. قوله: أن مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة بعدها دال مهملة. والغنوي بفتح الغين المعجمة
(٢٨٤)