سئل عن كسب الحجام فقال: أطعمه ناضحك. وقال في مجمع الزوائد: أنه أخرج حديث محيصة المذكور أهل السنن الثلاث باختصار والطبراني في الأوسط، قال في مجمع الزوائد أيضا: ورجال أحمد رجال الصحيح. وقال في حديث جابر الذي ذكرناه أن رجاله رجال الصحيح. قوله: البغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد الياء فعيل بمعنى فاعلة أو مفعولة وهي الزانية. ومنه قوله تعالى: * (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) * (سورة النور، الآية: 33) أي على الزنا، وأصل البغي الطلب، غير أنه أكثر ما يستعمل في طلب الفساد والزنا، والمراد ما تكتسبه الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة، وقد قدمنا في أول كتاب البيع أنه مجمع على تحريم مهر البغي. قوله: ثمن الكلب قد تقدم الكلام عليه في أول البيع، وقد استدل بأحاديث الباب من قال بتحريم كسب الحجام وهو بعض أصحاب الحديث كما في البحر، لأن النهي حقيقة في التحريم والخبيث حرام، ويؤيد هذا تسمية ذلك سحتا كما في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه. وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى أنه حلال واحتجوا بحديث أنس وابن عباس الآتيين، وحملوا النهي على التنزيه لأن في كسب الحجام دناءة والله يحب معالي الأمور، ولان الحجامة من الأشياء التي تجب للمسلم على المسلم للإعانة له عند الاحتياج إليها، ويؤيد هذا إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله عن الجرة الحجامة أن يطعم منها ناضحة ورقيقه، ولو كانت حراما لما جاز الانتفاع بها بحال. ومن أهل هذا القوم من زعم أن النهي منسوخ وجنح إلى ذلك الطحاوي، وقد عرفت أن صحة النسخ متوقفة على العلم بتأخر الناسخ وعدم إمكان الجمع بوجه، والأول غير ممكن هنا، والثاني ممكن بحمل النهي على كراهة التنزيه بقرينة إذنه صلى الله عليه وآله وسلم بالانتفاع بها في بعض المنافع، وبإعطائه صلى الله عليه وآله وسلم الاجر لمن حجمه ولو كان حراما لما مكنه منه، ويمكن أن يحمل النهي عن كسب الحجام على ما يكتسبه من بيع الدم، فقد كانوا في الجاهلية يأكلونه، ولا يبعد أن يشتروه للاكل فيكون ثمنه حراما، ولكن الجمع بهذا الوجه بعيد، فيتعين المصير إلى الجمع بالوجه الأول، ويبقى الاشكال في صحة إطلاق اسم الخبث والسحت على المكروه تنزيها. قال في القاموس: الخبيث ضد الطيب، وقال:
السحت بالضم وبضمتين الحرام أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار انتهى وهذا يدل على جواز إطلاق اسم الخبث والسحت على المكاسب الدنية وإن لم تكن