نحوه. قوله: أمر أي عطية من العطايا، ولعله عدل عن العطية إلى الامر لما بين لفظ المرأة، والامر من الجناس الذي هو نوع من أنواع البلاغة. وقد استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي عطية من مالها بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة، وقد اختلف في ذلك فقال الليث: لا يجوز لها ذلك مطلقا لا في الثلث ولا فيما دونه إلا في الشئ التافه. وقال طاوس ومالك: إنه يجوز لها أن تعطي مالها بغير إذنه في الثلث لا فيما فوقه فلا يجوز إلا بإذنه، وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقا من غير إذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة فإن كانت سفيهة لم يجز. قال في الفتح: وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة انتهى. وقد استدل البخاري في صحيحه على جواز ذلك بأحاديث ذكرها في باب هبة المرأة لغير زوجها من كتاب الهبة، ومن جملة أدلة الجمهور حديث جابر المذكور قبل هذا، وحملوا حديث الباب على ما إذا كانت سفيهة غير رشيدة، وحمل مالك أدلة الجمهور على الشئ اليسير وجعل حده الثلث فما دونه، ومن جملة أدلة الجمهور الأحاديث المتقدمة في أول الباب القاضية بأنه يجوز لها التصدق من مال زوجها بغير إذنه، وإذا جاز لها ذلك في ماله بغير إذنه فبالأولى الجواز في مالها، والأولى أن يقال: يتعين الاخذ بعموم حديث عبد الله بن عمرو، وما ورد من الواقعات المخالفة له تكون مقصورة على مواردها أو مخصصة لمثل من وقعت له من هذا العموم، وأما مجرد الاحتمالات فليست مما تقوم به الحجة.
باب ما جاء في تبرع العبد عن عمير مولى آبي اللحم قال: كنت مملوكا فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أتصدق من مالي مولاي بشئ؟ قال: نعم والاجر بينكما رواه مسلم. وعنه قال: أمرني مولاي أن أقدر لحما، فجاءني مسكين فأطعمته منه فضربني، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له ذلك فدعاه فقال: لم ضربته؟ فقال: يعطي طعامي من غير أن آمره، فقال: الاجر بينكما رواه أحمد ومسلم والنسائي. وعن سلمان الفارسي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطعام وأنا مملوك فقلت: هذه صدقة، فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل، ثم أتيته بطعام فقلت: هذه هدية أهديتها