حتى تصبح في رواية للبخاري: حتى ترجع وهو كما قال الحافظ: أكثر فائدة، قال: والأولى محمولة على الغالب كما تقدم وأخرج الطبراني والحاكم وصححه من حديث ابن عمر مرفوعا: اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما عبد آبق، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع قال في الفتح حاكيا عن المهلب. (وفي الحديث) جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الارهاب عليه لئلا يواقع الفعل، فإذا واقعه فإنما يدعي له بالتوبة والهداية. قال الحافظ: ليس هذا التقييد مستفادا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى، قال: وقدر ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال بهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعين وفيه نظر. والحق أن الذي منع اللعن أراد به المعنى اللغوي وهو الابعاد من الرحمة، وهذا لا يليق أن يدعي به على المسلم، بل يطلب الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية، والذي أجازه أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب، قال: ولا يخفى أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر. وأما حديث الباب فليس فيه إلا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جوازه على الاطلاق.
(وفي الحديث) دليل على أن الملائكة تدعو على المغاضبة لزوجها الممتنعة من إجابته إلى فراشه، وأما كونها تدعو على أهل المعاصي على الاطلاق كما قال في الفتح، فإن كان من هذا الحديث فليس فيه إلا الدعاء على فاعل هذه المعصية الخاصة، وإن كان من دليل آخر فذاك، وأما الاستدلال بهذا الحديث على أنهم يدعون لأهل الطاعة كما فعل أيضا في الفتح ففاسد، فإنه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة، وغايته أنه يدل بالمفهوم، على أن غير العاصية لا تلعنها الملائكة، فمن أين أن المطيعة تدعو لها الملائكة؟ بل من أين أن كل صاحب طاعة يدعون له؟ نعم قول الله تعالى: * (ويستغفرون الذين آمنوا) * يدل على أنهم يدعون للمؤمنين بهذا الدعاء الخاص. وحكي في الفتح عن ابن أبي جمرة أنه قال: وهل الملائكة التي تلعنها هم الحفظة أو غيرهم؟ يحتمل الامرين قال الحافظ: يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلا بذلك، ويرشد إلى التعميم ما في رواية لمسلم بلفظ: لعنتها الملائكة الذي في السماء فإن المراد به سكانها، وإخبار الشارع بأن هذه المعصية يستحق فاعلها لعن ملائكة السماء يدل أعظم دلالة على تأكد وجوب طاعة الزوج وتحريم عصيانه ومغاضبته.