ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب وهو الذي جزم به البخاري. قال الحافظ: والذي يظهر أنه في ذلك باختياره لقوله: غير مشقوق عليه فلو كان على ذلك سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى يحصل ذلك لحصل له غاية المشقة، وهي لا تلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور لأنها غير واجبة فهذه مثلها. قال البيهقي: لا يبقى بين الحديثين بعد هذا الجمع معارضة أصلا، قال الحافظ: وهو كما قال، إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء، فيعارضه حديث أبي المليح الذي ذكره المصنف، قال: ويمكن حمله على ما إذا كان المعتق غنيا، أو على ما إذا كان جميعه له فأعتق بعضه، واستدل على ذلك بحديث ابن التلب الذي تقدم ثم قال: وهو محمول على المعسر وإلا لتعارضا. وجمع بعضهم طرح بطريق أخرى فقال أبو عبد الملك: المراد بالاستسعاء أن العبد يستمر في حصة الذي لم يعتق رقيقا فيسعى في خدمته بقدر ما له فيه من الرق، قال: ومعنى قوله: غير مشقوق عليه أي من جهة سيده المذكور، فلا يكلفه من الخدمة فوق حصة الرق، ويؤيد هذا حديث إسماعيل بن أمية الذي ذكره المصنف، ولكنه يرد عليه ما وقع في رواية للنسائي وأبي داود بلفظ: واستسعي في قيمته لصاحبه. واحتج من أبطال السعاية بحديث الرجل الذي أعتق ستة مماليك عند موته فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة، وقد تقدم في باب تبرعات المريض من كتاب الوصايا. ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه، واستسعى في بقية قيمته لورثة الميت. وأجاب من أثبت السعاية بأنها واقعة عين، فيحتمل أن تكون قبل مشروعية السعاية، ويحتمل أن تكون السعاية مشروعة في غير هذه الصورة. وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات: أن رجلا من بني عذرة أعتق مملوكا له عند موته وليس له مال غيره فأعتق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلثه وأمره أن يسعى في الثلثين واحتجوا أيضا بما أخرجه النسائي عن ابن عمر من حديث وفيه: وليس على العبد شئ. وأجيب بأن ذلك مختص بصورة اليسار لقوله في هذا الحديث: وله وفاء والسعاية إنما هي في صورة الاعسار. وقد ذهب إلى الاخذ بالسعاية إذا كان المعتق معسرا أبو حنيفة وصاحباه الأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد في رواية، وإليه ذهبت الهادوية
(٢١١)