من الجمع، وأنه كان يرعى لأهله بغير أجرة ولغيرهم بأجرة، وهم المراد بقوله: أهل مكة. ويؤيد تفسير سويد قوله على قراريط فإن المجئ بعلى يدل على ما قاله، ولا ينافي ذلك جعلها بمعنى الباء التي للسببية وأما جعلها بمعنى الباء التي للظرفية فبعيد. قال العلماء:
الحكمة في الهام رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما سيكلفونه من القيام بأمر أمتهم، لأن في مخالطتها ما يحصل الحلم والشفقة، لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفريقها في الرعي ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة، وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها، فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام به من أول وهلة لما يحصل لهم من التدرج بذلك، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولان تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لامكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها. (وفي الحديث) دليل على جواز الإجارة على رعي الغنم ويلحق بها في الجواز غيرها من الحيوانات.
وعن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر، فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه وثم رجل يزن بالاجر فقال له: زن وأرجح رواه الخمسة وصححه الترمذي، وفيه دليل على أن من وكل رجلا في إعطاء شئ لآخر ولم يقدر جاز، ويحمل على ما يتعارفه الناس في مثله، ويشهد لذلك حديث جابر في بيعه جمله: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا بلال اقضه وزده، فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا رواه البخاري ومسلم. وعن رافع بن رفاعة قال: نهانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب الأمة إلا ما عملت بيديها وقال هكذا بأصابعه نحو الخبز والغزل والنفش رواه أحمد وأبو داود.
حديث سويد بن قيس سكت عنه أبي داود والمنذري، وأخرج نحوه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي صفوان بن عمير، وقد تقدم في كتاب اللباس. وحديث رافع ابن رفاعة إسناده ثقات، ولكنه قال أبو القاسم الدمشقي الحافظ في الاشراق عقب هذا الحديث: رافع هذا غير معروف، وقال غيره: هو مجهول، وقد أخرجه أبو داود