العلماء كره تعطيل الأرض عن الزراعة لما ورد من النهي عن إضاعة المال، وهذه الرواية والتي سلفت في حديث جابر يدلان على جواز ترك الأرض بغير زراعة، وقد جمع بين الرواية القاضية بالنهي عن ذلك وبين ما هنا يحمل النهي عن الإضاعة على إضاعة عين المال أو المنفعة التي لا يخلفها منفعة، والأرض إذا تركت بغير زرع لم تتعطل منفعتها، فإنها قد تنبت من الحطب والحشيش وسائر الكلأ ما ينفع في الرعي وغيره، وعلى تقدير أن لا يحصل ذلك فقد يكون التأخير للزرع عن الأرض إصلاحا لها، فتخلف في السنة التي تليها ما لعله فات في سنة الترك، وهذا كله إن حمل النهي على عمومه، فأما لو حمل على ما كان مألوفا لهم من الكراء بجزء مما يخرج منها ولا سيما إذا كان غير معلوم فلا يستلزم ذلك تعطيل الانتفاع بها في الزراعة بل يكريها بالذهب أو الفضة كما تقرر ذلك. قوله: وبالاجماع تجوز الإجارة الخ استدل المصنف رحمه الله بهذا على ما ذكره من الندب، لأن العارية إذا لم تكن واجبة بالاجماع من غير فرق بين المزارعة وغيرها لم يجب على الانسان أن يزرع أرضه بنفسه أو يعيرها أو يعطلها، بل يجوز له أمر رابع وهو الإجارة لأنها جائزة بالاجماع، والعارية لا تجب بالاجماع فلا تجب عليه، وإذا انتفى الوجوب بقي الندب.
أبواب الإجارة باب ما يجوز الاستئجار عليه من النفع المباح عن عائشة في حديث الهجرة قالت: واستأجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا، والخريت الماهر بالهداية وهو على دين كفار قريش وأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث فارتحلا رواه أحمد والبخاري.
قوله واستأجر الواو ثابتة في نفس الحديث الطويل لأن هذه القصة معطوفة على قصة قبلها وقد ساقها البخاري مستوفاة الهجرة. قوله: الديل