باب من وجد دابة قد سيبها أهلها رغبة عنها عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له. قال عبيد الله: فقلت له: عمن هذا؟ فقال: عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم رواه أبو داود والدارقطني. وعن الشعبي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من ترك دابة بمهلكة فأحياها رجل فهي لمن أحياها رواه أبو داود.
الحديث الأول في إسناده عبيد الله بن حميد وقد وثق. وحكى ابن أبي حاتم عن يحيى بن معين أنه سئل عنه فقال: لا أعرفه يعني لا أعرف تحقيق أمره، وأما جهالة الصحابة الذين أبهمهم الشعبي فغير قادحة في الحديث، لأن مجهولهم مقبول على ما هو الحق، وقد حققنا ذلك في رسالة مستقلة. والشعبي قد لقي جماعة من الصحابة، حكى الذهبي أنه سمع من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحكى منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي أنه قال: أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: علي وطلحة والزبير في الجنة، والحديث الثاني مع إرساله فيه عبيد الله بن حميد المذكور. قوله: فسيبوها وكذلك قوله: من ترك دابة يؤخذ من الاطلاق أنه يجوز لمالك الدابة التسييب في الصحراء إذا عجز عن القيام بها، وقد ذهبت العترة والشافعي وأصحابه إلى أنه يجب على مالك الدابة أن يعلفها أو يبيعها أو يسيبها في مرتع فإن تمرد أجبر. وقال أبو حنيفة وأصحابه: بل يؤمر استصلاحا لا حتما كالشجر، وأجيب بأن ذات الروح تفارق الشجر. والأولى إذا كانت الدابة مما يؤكل لحمه أن يذبحها مالكها ويطعمها المحتاجين. قال ابن رسلان: وأما الدابة التي عجزت عن الاستعمال لزمن ونحوه فلا يجوز لصاحبها تسييبها بل يجب عليه نفقتها. قوله: فأحياها يعني بسقيها وعلفها وخدمتها وهو من باب المجاز كقوله تعالى: * (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * (سورة المائدة، الآية: 32). قوله: فهي له أخذ بظاهره أحمد والليث والحسن وإسحاق فقالوا: من ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان فأطعمها