استغنائها عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على العطش، وتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها فلا تحتاج إلى ملتقط. قوله: لك أو لأخيك أو للذئب فيه إشارة إلى جواز أخذها كأنه قال: هي ضعيفة لعدم الاستقلال معرضة للهلاك، مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك. قال الحافظ: والمراد به ما هو أعم من صاحبها أو من ملتقط آخر. والمراد بالذئب جنس ما يأكل الشاة من السباع، وفيها حث على أخذها، لأنه إذا علم أنها لم تؤخذ بقيت للذئب كان ذلك أدعى له إلى أخذها، وفيه رد على ما روي عن أحمد في رواية أن الشاة لا تلتقط، وتمسك به مالك في أنه يملكها بالأخذ ولا تلزمه غرامة ولو جاء صاحبها، واحتج على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوى بين الذئب والملتقط، والذئب لا غرامه عليه فكذلك الملتقط؟
وأجيب بأن اللام ليست للتمليك لأن الذئب لا يملك، وقد أجمعوا أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط كان له أخذها، فدل على أنها باقية على ملك صاحبها، ولا فرق بين قوله في اللقطة شأنك بها أو أخذها، وبين قوله: هي لك أو لأخيك أو للذئب، بل الأول أشبه بالتمليك لأنه لم يشرك معه ذئبا ولا غيره. قوله: فإن جاء أحد يخبرك الخ، فيه دليل على أنه يجوز للملتقط أن يرد اللقطة إلى من وصفها بالعلامات المذكورة من دون إقامة البينة، وبه قال المؤيد بالله والامام يحيى وبعض أصحاب الشافعي وأبو بكر الرازي الحنفي قالوا: لأنه يجوز العمل بالظن لاعتماده في أكثر الشريعة، إذ لا تفيد البينة إلا الظن، وبه قال مالك وأحمد، وحكي في البحر عن القاسمية والحنفية والشافعية أن اللقطة لا ترد للواصف وإن ظن الملتقط صدقه إذ هو مدع فلا تقبل. وحكي في الفتح عن أبي حنيفة والشافعي أنه يجوز له الرد إلى الواصف إن وقع في نفسه صدقه، ولا يجبر على ذلك إلا ببينة. قال الخطابي: إن صحت هذه اللفظة يعني قوله: فإن جاء صاحبها يخبرك الخ لم يجز مخالفتها وهي فائدة قوله: اعرف عفاصها إلى آخره، وإلا فالاحتياط مع من لم ير الرد إلا بالبينة، قال:
ويتأولون قوله: اعرف عفاصها على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله أو لتكون الدعوى فيها معلومة، وذكر غيره من فوائد ذلك أيضا أن يعرف صدق المدعي من كذبه، وأن فيها تنبيها على حفظ المال وغيره وهو الوعاء، لأن العادة جرت بإلقائه إذا أخذت النفقة، وأنه إذا نبه على حفظ الوعاء كان فيه تنبيه على حفظ النفقة من باب الأولى.