الحقل بفتح الحاء المهملة وإسكان القاف أصله كما قال الجوهري الحقل الزرع إذا تشعب ورقه قبل أن تغلظ سوقه، فالحقل القراح الطيب يعني من الأرض الصالحة للزراعة، والمحاقل. مواضع الزراعة، كما أن المزارع مواضعها. وقد بين البخاري المحاقل التي نهى عنها صلى الله عليه وآله وسلم من رواية رافع قال فيه: ما تصنعون بمحاقلكم؟
قالوا: نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من الثمر والشعير، قال: لا تفعلوا. (والحديث) يدل على عدم جواز مطلق المزارعة، ولكنه ينبغي أن يقيد بما في أوله من كلام أسيد من ضم الاشتراط المقتضي للفساد، وعلى فرض عدم تقييده بذلك فيحمل على كراهة التنزيه لما أسلفنا.
وعن جابر قال: كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنصيب من القصرى ومن كذا، ومن كذا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
من كان له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه وإلا فليدعها رواه أحمد ومسلم.
والقصرى القصارة.
قوله: والقصرى قد سبق ضبطه وتفسيره. قوله: فليزرعها بفتح التحتية والراء أي بنفسه. قوله: أو ليحرثها بضم التحتية وكسر الراء أي يجعلها مزرعة لأخيه بلا عوض، وذلك بأن يعيره إياها، ويشهد لهذا المعنى الرواية الآتية بلفظ:
لأن يمنح أحدكم أخاه أي يجعلها منحة له والمنحة العارية، وفيه دليل على المنع من مؤاجرة الأرض مطلقا لقوله: وإلا فليدعها ولكن ينبغي أن يحمل هذا المطلق على المقيد بما سلف في حديث رافع، أو يكون الامر للندب فقط لما أسلفنا ولما سيأتي، وقد كره بعض العلماء تعطيل الأرض عن الزراعة لأن فيه تضييع المال، وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن إضاعة المال، وقدم في هذا الحديث زراعة الأرض من المالك بنفسه لما في ذلك من الفضيلة، فإن الاشتغال بالعمل فيها والاستغناء عن الناس بما يحصل من القرب العظيمة مع ما في ذلك من الاشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي لا سيما في مثل هذا الزمان سم قاتل، وشغل عن الرب جل جلاله شاغل، إذا لم يكن في الاقبال على الزراعة تثبط عن شئ من الأمور الواجبة كالجهاد، وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا في فضل الزرع والغرس وترجم عليه باب فضل الزرع والغرس، ورواه مسلم من حديث أنس.