يصل بها ما كان في حياته بعد مماته، ويقال: وصية بالتشديد، ووصاة بالتخفيف بغير همز، وتطلق شرعا أيضا على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات.
قوله: ما حق ما نافية بمعنى ليس والخبر ما بعد إلا. وروى الشافعي عن سفيان بلفظ: ما حق امرئ يؤمن بالوصية الحديث أي يؤمن بأنها حق، كما حكاه ابن عبد البر عن ابن عيينة، ورواه ابن عبد البر والطحاوي بلفظ: لا يحل لامرئ مسلم له مال وقال الشافعي: معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، وكذا قال الخطابي. قوله: مسلم قال في الفتح: هذا الوصف خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، أو ذكر للتهييج لتقع المبادرة إلى الامتثال لما يشعر به من نفي الاسلام عن تارك ذلك، ووصية الكافر جائزة في الجملة، وحكى ابن المنذر فيه الاجماع. قوله: يبيت صفة لمسلم كما جزم به الطيبي. قوله: ليلتين في رواية للبيهقي وأبي عوانة: ليلة أو ليلتين. ولمسلم والنسائي: ثلاث ليال. قال الحافظ: وكأن ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها، ففسح له هذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه، واختلاف الروايات فيه دال على أنه للتقريب لا للتحديد، والمعنى: لا يمضي عليه زمان وإن كان قليلا إلا ووصيته مكتوبة، وفي إشارة إلى اغتفار الزمن اليسير وكأن الثلاث غاية التأخير، ولذلك قال ابن عمر: لم أبت ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك إلا ووصيتي عندي قال الطيبي في تخصيص الليلتين والثلاث بالذكر تسامح في إرادة المبالغة: أي لا ينبغي أن يبيت زمنا ما وقد سامحناه في الليلتين والثلاث فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك. قال العلماء: لا يندب أن يكتب جميع الأشياء المحقرة ولا ما جرت العادة بالخروج منه والوفاء به عن قرب.
(وقد استدل) بهذا الحديث مع قوله تعالى: * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) * (سورة البقرة، الآية: 180) الآية على وجوب الوصية، وبه قال جماعة من السلف منهم عطاء والزهري وأبو مجلز وطلحة بن مصرف في آخرين، وحكاه البيهقي عن الشافعي في القديم، وبه قال إسحاق وداود وأبو عوانة الأسفراييني وابن جرير. قال في الفتح وآخرون وذهب الجمهور إلى أنها مندوبة وليست بواجبة، ونسب ابن عبد البر القول بعدم الوجوب إلى الاجماع وهي مجازفة لما عرفت. وأجاب الجمهور عن الآية بأنها منسوخة كما في البخاري عن ابن عباس قال: كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من