المقاتلة وعدم وجوب المدافعة عن النفس والمال، وقد اختلف العلماء في ذلك فقالت طائفة: لا يقاتل في فتن المسلمين وإن دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله، ولا تجوز له المدافعة عن نفسه لأن الطالب متأول، وهذا مذهب أبي بكرة الصحابي وغيره. وقال ابن عمر وعمران بن الحصين وغيرهما: لا يدخل فيها لكن إن قصد دفع عن نفسه. قال النووي: فهذان المذهبان متفقان على ترك الدخول في جميع فتن المسلمين. قال القرطبي: اختلف السلف في ذلك، فذهب سعد بن أبي وقاص و عبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وغيرهم إلى أنه يجب الكف عن المقاتلة، فمنهم من قال: يجب عليه أن يلزم بيته، وقالت طائفة: يجب عليه التحول عن بلد الفتنة أصلا. ومنهم من قال: يترك المقاتلة حتى لو أراد قتله لم يدفعه عن نفسه. ومنهم من قال: يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله وهو معذور إن قتل أو قتل، وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين، وكذا قال النووي وزاد: إنه مذهب عامة علماء الاسلام، واستدلوا بقوله تعالى: * (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) * (سورة الحجرات، الآية: 9) قال النووي: وهذا هو الصحيح، وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما، قال: ولو كان كما قال الأولون لظهر الفساد واستطال أهل البغي والمبطلون اه. وقال بعضهم بالتفصيل: وهو أنه إذا كان القتال بين طائفتين لا إمام لهم فالقتال ممنوع يومئذ وتنزل الأحاديث على هذا وهو قول الأوزاعي كما تقدم.
وقال الطبري: إنكار المنكر واجب على من يقدر عليه، فمن أعان المحق أصاب، ومن أعان المخطئ أخطأ، وإن أشكل الامر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها، فذهب البعض إلى أن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين، وإن النهي مخصوص بمن خوطب بذلك، وقيل: إن النهي إنما هو في آخر الزمان حيث يحصل التحقق أن المقاتلة إنما هي في طلب الملك، وقد أتى هذا في حديث ابن مسعود، فأخرجه أبو داود عنه أنه قال له وابصة بن معبد: ومتى ذلك يا ابن مسعود؟ فقال:
تلك أيام الهرج وهو حيث لا يأمن الرجل جليسه. ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور قول الله تعالى: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * (سورة البقرة، الآية: 4 19) وقوله تعالى: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * (سورة النور، الآية: 33) ونحو ذلك من الآيات والأحاديث، وتؤيده أيضا الآيات والأحاديث الواردة في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسيأتي للمقام زيادة تحقيق في باب ما جاء في توبة القاتل من كتاب القصاص. وحديث سهل بن حنيف وما