فإن ذيلها مفسر لصدرها ومبين للنهي عن الشرب والوضوء بأنه لأجل النجاسة لا لأمر تعبدي غيرها. وفي صحيحة زرارة قال: " إذا كان الماء أكثر من راوية " إلى آخر الحديث المتقدم (1) فتفسر الرواية والصحيحة سائر ما تقدم، وتبينان أن النهي فيها لنجاسة الماء بملاقاة الميتة إذا كان دون الكر، وبالتغير إذا كان كرا، بل يمكن الاستشهاد عليها بمثل صحيحة ابن بزيع " ماء البئر واسع لا يفسده شئ " (2) الخ.
فإذا ضمت تلك الروايات إلى ما تقدم من الروايات الناهية عن شرب ملاقي الجيفة والميتة والوضوء منه تنتج نجاستها مطلقا.
وتوهم كون تلك الروايات بل سائر ما في الباب في مقام بيان حكم آخر، فلا إطلاق فيها فاسد، فإن الظاهر منها أن الحكم لنفس الجيفة، وإن غلبة ريحها مطلقا موجبة لعدم جواز الشرب والوضوء كما أن عدم الاستفصال في صحيحة شهاب الآتية دليل عموم الحكم، والانصاف أن توهم عدم الاطلاق فيها وسوسة مخالفة لفهم العرف، تأمل.
ونظيرها في وضوح الدلالة صحيحة شهاب بن عبد ربه قال: " أتيت أبا عبد الله عليه السلام أسأله فابتدأني، فقال: إن شئت فاسأل يا شهاب، وإن شئت أخبرناك بما جئت له، قلت: أخبرني، قال:
جئت تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة أتوضأ منه أو لا؟ قلت:
نعم، قال: توضأ من الجانب الآخر، إلا أن يغلب الماء الريح فينتن وجئت تسأل عن الماء الراكد، فما لم يكن فيه تغيير وريح غالبة، - قلت فما التغيير؟ قال: الصفرة -، فتوضأ منه، وكلما غلب كثرة الماء فهو طاهر " (3) فهي مع إطلاقها كالصريحة في المطلوب من أن الماء