فإن " عصر " متعد، يقال: عصر العنب يعصره فهو عاصر وذاك معصور ولا معنى لتعديته ب " من " وأما الماء فلا يطلق عليه أنه معصور منه بمعنى وقع عليه العصر من العاصر. فلا يصح إطلاق العصير عليه، إلا أن يراد أنه يستخرج من العنب عصرا بمعنى وقوعه على العنب لا وقوعه عليه، وكذا الحال في عصر هذا من ذاك يراد به أنه خارج منه عصرا لا أنه معصور منه، فإنه لا يرجع إلى محصل، فما زعمه دقيقة ففي الحقيقة غفلة عن دقيقة.
نعم لا إشكال في أن العصير في الأخبار على كثرتها لم يعهد استعماله في غير الماء المستخرج من العنب. كما أن استعماله فيه شايع كثير الورود فيها، بحيث لا يبقى شبهة للمتتبع فيها في أن العصير فيها ليس إلا الماء المستخرج من العنب، وهذا كاف في حمل المطلقات عليه ولو قلنا بأن استعماله حقيقة في مطلق المعتصر من الأجسام، فضلا عن القول بأنه ليس على نحو الحقيقة، لأن المتيقن منه حينئذ عصير العنب، وإرادة غيره مشكوك فيه.
والانصاف أنه لا مجال للتشكيك في أن المراد من المطلقات والعمومات هو خصوص العنبي منه.
هذا مع أن جملة من الروايات شاهدة على أن ما هو محط النظر فيها هو خصوص ذلك، كرواية أبي الربيع الشامي قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أصل الخمر كيف كان بدء حلالها وحرامها ومتى اتخذ الخمر؟ فقال: إن آدم لما أهبط من الجنة اشتهى من ثمارها فأنزل الله عليه قضيبتين من عنب فغرسهما - ثم ساق قضية منازعته مع إبليس إلى أن قال: - فرضيا بينهما بروح القدس، فلما انتهيا إليه قص آدم عليه قصته فأخذ روح القدس ضغثا من نار فرمى به عليهما،