على شئ كان في جوفه الماء يقع العصر على ذلك الشئ، ويفر الماء عن تحت يد العاصر، وربما يخرج من المعصور، فالماء لا يقبل العصر ولا يقع عليه إلا ببعض الآلات الحديثة مما توجب تكاثفه، وأما الماء في جوف العنب أو الثوب لا يصير معصورا، وإلا لكان العصير صادقا على الماء الذي في جوف العنب إذا عصر العنب رقيقا بحيث لا يخرج ماؤه. ولكان المعصور والعصير صادقا على الماء في جوف القربة إذا عصرت وهو كما ترى، والسر فيه عدم قبول المايعات العصر.
ومنها أن ما جعله دقيقة لغوية في العصير والنبيذ ومثلهما من إطلاق الفعيل بمعنى المفعول مع التقييد يخالف الموازين الأدبية والدقائق اللغوية ومغالطة نشأت من الخلط بين المفعول الصرفي والمفعول النحوي، فإن الفعيل يجئ بمعنى المفعول الصرفي لا النحوي، والمفعول الصرفي مقابل الفاعل الصرفي لا يصدق حقيقة إلا على ما وقع على الفعل، فهل ترى صحة إطلاق الفعيل على المفعول فيه حقيقة، فيقال الجريح على زمان الجرح ومكانه، وعلى سائر المفاعيل كالمفعول المطلق والمفعول له.
ففي المقام ما وقع عليه العصر هو العنب، ولأجله خرج الماء من جوفه، فالعنب معصور وعصير بمعنى المعصور، والماء مستخرج منه لا معصور منه، بل لا محصل عند التأمل للمعصور منه إلا أن يراد أنه معصور من قبله، مع أن الماء ليس معصورا لا من قبل العاصر كما عرفت، ولا من قبل العنب، فلو أطلق على الماء المعصور منه يكون المراد أنه مستخرج من العنب بالعصر الواقع عليه لا على الماء، نعم لا مانع من الاطلاق الاستعاري والمجازي.
ومنها أن دعواه أن العنب معصور منه وكذا الماء مستشهدا بصدق عصر هذا من ذاك في غير محلها، لأن العنب معصور لا معصور منه،