ومع عدم إرادة ذلك يتعين الحمل على النجاسة بالمعنى المعهود شرعا إذ لا يناسب شئ آخر مما ذكر في معناه يصح الانتساب إليه، كالقذارة المعنوية مع بعدها عن الأذهان، ويؤيد ذلك ما ورد في الكلب " إنه رجس نجس " (1) وفي الخمر " لا تصل فيه فإنه رجس " (2) بل لا يبعد أن يكون الرجس بمعنى النجس والقذر، وإطلاقه على مثل الأوثان والميسر والأنصاب و الأزلام بنحو من التوسعة، بل لا يبعد أن يكون الشرع والعرف موافقين في مفهومه، وإن ألحق الشارع بعض ما ليس بقذر عرفا به، واستثنى بعض ما يستقذره العرف عنه.
وكيف كان دعوى ظهور الرجس في النجس المعهود ولو بواسطة القرائن الداخلية والخارجية غير مجازفة، كما لا يبعد عود الضمير إلى جميع المذكورات بواسطة القرينة، بأن يقال إن الظاهر من الآية أن الظاهر تعليل حرمة الأكل بما ذكر، وهو لا يناسب قصره على الأخير.
ودعوى عدم احتياج الأولين إلى التعليل لاستقذار الناس منهما دون الأخير كما ترى، ضرورة أن النهي عن أكلهما لردع الناس عنه، ومع استقذارهم لا يحتاج إليه، سيما إذا كان المراد بالميتة غير المذكى لا ما مات حتف أنفه، فإنه بمستقذر عندهم رأسا، وفي المجمع إرجاع الضمير إلى جميع المذكورات بلا احتمال خلاف.
لكن مع ذلك استفادة الاطلاق من الآية مشكلة بعد كونها بصدد بيان حرمة أكل المذكورات، وذلك لأن الدم مطلقا وبجميع أنواعه ليس مأكولا أو متعارف الأكل، فالمستفاد منها بعد تسليم ما تقدم هو نجاسة الدم المطعوم لا مطلقه،