يظهر منهم أنها اجماعية بين المسلمين، بل قيل إنها من ضروريات الدين، لكن لما كان بعض مصاديقه محل الشبهة كالعلقة ودم البيضة والمخلوق آية والمصنوع بتركيب أجزائه لو فرض اصطناعه إلى غير ذلك لا بد من النظر في الأدلة، حتى يعلم أن الأصل في الدم النجاسة، والاستثناء يحتاج إلى دليل أو العكس وإلحاق المورد المشكوك فيه يحتاج إليه.
وقد استدل على نجاسته مطلقا بالآية الكريمة: " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس " (2) بناء على كون الرجس بمعنى النجس وعود الضمير إلى جميع ما تقدم، وفيه تأمل حتى بعد تسليم الأمرين كما لا يبعد، فإن الرجس على ما نص عليه أهل اللغة هو القذر، وهو عرفا بمعنى النجس وإن قيل إنه أعم، وعلى فرض أعميته لا يبعد دعوى أنه في الآية بمعناه، كما حكي عن شيخ الطائفة في التهذيب:
" أن الرجس هو النجس بلا خلاف " وقيل ظاهره أنه لا خلاف بين علمائنا في أنه في الآية بمعنى النجس.
ولا يبعد استظهاره من الآية بأن يقال: إن ما قيل في معنى الرجس لا يناسب في الآية إلا القذارة بالمعنى الأعم، أي ما يقابل النظافة، ولا ريب في أن لحم الخنزير الذي هو المتيقن في عود الضمير إليه لا يكون غير نظيف عرفا، وإنما يستقذره المسلمون للتلقين الحاصل لهم تبعا للشرع، وحكمه بنجاسته وحرمته لا لقذارة فيه عند العرف والعقلاء، وليس استقذارهم منه إلا كاستقذارهم من الكافر والخمر والكلب، فلا مجال في حمل الآية على القذارة العرفية المقابلة للنظافة.