فلا محالة يريد وجود مقدمته بإرادة مستقلة بمبادئ خاصة، غير مترشحة من إرادة ذي المقدمة، وقد فصل ذلك في محله (1)، وهذا غير الحكم بوجوبها.
وأما حكم العقل بوجوب المقدمة في الواجبات العقلية، وحرمتها في المحرمات العقلية، فلا وجه له; لعين ما قلناه في الوجوب الشرعي: من أن المقدمة لا يعقل أن تجب شرعا (2).
فهاهنا أيضا نقول: إذا حكم العقل بوجوب ذي المقدمة، فإن انبعث منه العاقل، فلا يعقل حكم آخر لمقدمته; فإن الانبعاث إلى ذي المقدمة، مع تصور توقفه على المقدمة، والتصديق به، كاف في إيجادها، فلا وجه لحكم إلزامي آخر، وإن لم ينبعث منه، فلا يعقل كون إيجاب المقدمة موجبا لانبعاثه، هذا كله مع تسليم أن للعقل حكما إيجابيا وتحريميا.
وأما بناء على أن شأن العقل ليس إلا إدراك الحقائق، وأنه يدرك قبح الظلم مثلا، وحسن العدل، وأما الحكم بلزوم الاحتراز من ذلك، ولزوم الإتيان بذاك، فليس من شأنه، فالأمر أوضح.
ثم لو قلنا: بأن للعقل أحكاما إلزامية، وقلنا بأن وجوب المقدمة ليس منها، مع أن التعلم ليس مقدمة، فيمكن أن يقال: بأن مناط إلزام العقل موجود في التعلم وإن لم يكن مقدمة.
ودعوى: انحصار المناط بالمقدمية (3)، غير مسموعة; فإن كثيرا من الأحكام العقلية ليست بمناط المقدمية، كحكمه بوجوب طاعة المولى، وحرمة مخالفته، وحكمه بوجوب ترك شئ لا يؤمن مع فعله من الضرر، ولو