نعم كانت بعض الفترات اليسيرة تشهد تراجعا طفيفا من فضل الله، وذلك عندما كان الغضب الجماهيري يزداد ضده، وكان فضل الله يضطر لشيء من التكتيك واللف والدوران والتلاعب بالكلمات للإيحاء بحصول تغير في موقفه، ولكن ما إن تضعف الحملة حتى يعود إلى مقولاته الأولى، وفي هذا يقول: (وذلك المحكي بأنا اعتذرنا، في الواقع لم يكن هذا اعتذارا ولكنه كان مواجهة للحملة الظالمة! التي كادت أن تتحول إلى فتنة (1) في قم، وطلب مني الكثيرون من الفضلاء أن أتحدث بطريقة (!) تمنع الآخرين من إثارة الفتنة الغوغائية التي حدثت من أكثر من جانب).
ولم يقتصر أسلوب فضل الله وتكتيكه بتصوير التصدي لانحرافاته بأنه حملة ظالمة وفتنة غوغائية موجهة ضده، فإن ذلك لم يكن كافيا لسيل الأسئلة والاستفسارات التي كانت تخطر في أذهان بعض من تبقى شئ يسير من الاحترام لفضل الله عندهم، ولذا عمد إلى تحريك بعض اتباعه ممن اغتر به وبما يملكه من أموال في طباعة بعض الكتيبات التي تسعى إلى حفظ ما تبقى من ماء الوجه، ولكنه أخطأ الطريق ثانية، فقد (أفرط للهيم حبينا أقعس)، ولم يكن بإمكان هؤلاء ممن لم يكونوا أفضل حالا من فضل الله نفسه إصلاح الفساد الضارب في الجذور، فكانوا (كدابغة وقد حلم الأديم).
ويبقى السؤال الأهم وهو: كيف بلغ الوضع إلى ما هو عليه؟ وما هو السبب في طرح فضل الله لهذه الآراء التي أثارت في وجهه موجة عارمة من السخط في جميع الأوساط العلمية والشعبية؟ فهل كان تحولا مفاجئا وتغير سريعا في أفكاره؟
* * * الحق يقال إن مثل هذه الأفكار وبمراتب أدنى مما طرحها أخيرا كانت مبثوثة في كتبه ومحاضراته السابقة، ولكن هناك عوامل عديدة فتحت الطريق له ليطرح كل ما كان يخطر في باله سابقا. والمتتبع لوضع فضل الله والطفرة غير الطبيعية في بروزه يجد أن من أهم العوامل لذلك ما يلي:
1 - الجهل:
فضحالة المستوى العلمي لفضل الله وعدم قدرته الحصول على شهادة اجتهاد من أحد المراجع رغم سعيه الحثيث في هذا المجال جعلته يلتزم منهجا معينا في الكتابة والخطابة، ويعتمد هذا المنهج في الأسلوب الخطابي وإثارة الاحتمال حتى في المسائل المتفق عليها وإظهار اتحاد نتيجة رأيه مع ما رآه غيره من كبار العلماء واستخدام بعض المصطلحات العلمية التي لا يعرفها عامة الناس وكثرة طباعة التأليفات رغم سطحيتها وتكرر الكثير من مطالبها، كل ذلك للتغطية على عجزه العلمي.
وقد انعكس هذا المنهج على مؤيديه وأتباعه، ولذا لا تجد من يؤيد فضل الله في انحرافاته إلا من كان على شاكلته من الجهل وقلة المعرفة والظهور بغير زيه وحقيقته...
(قل كان يعمل على شاكلته).