وهناك احتمال آخر أيضا لتبرير موقف فضل الله وهو أن هناك فرقا بين المبادرة إلى طرح الموضوع وبين إثارته!! فالمبادرة تكون ممن يطرح الموضوع والإثارة ممن يعترض على الموضوع!! ونحن لم نستوعب هذا الفرق فقد يكون من المصطلحات والالفاظ التي خفيت معانيها علينا واختص فضل الله بمعرفتها!
ثم لو افترضنا أن هذا كان جوابا عن سؤال ولم يكن مبادرة فهل إن الانسان ملزم بالإجابة على كل سؤال وخصوصا إذا لم يكن ملما به بالشكل الكافي؟ وقد جاء في نهج البلاغة أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا تقل ما لا تعلم... فإن الله فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة). (1) يضاف إلى ذلك إن فضل الله يصور القضية على أنها لا تتجاوز في شكلها الجواب وردة الفعل من غير أن يكون له قصد مسبق وغرض معين، وهذا لا ينسجم أبدا مع ما يطرحه من أنه كان يهدف من طرح الموضوع إثارته للتحقيق والبحث العلمي كما جاء ذلك صريحا في الجواب الخامس حيث قال (لان المسألة إنني أثرت علامة استفهام وأبديت بعض التحفظات من أجل إثارة البحث حولها).
ولكن (فضل الله) لكي يخلص نفسه من تبعات ما بادر إليه أخذ يلقي بالمسؤولية في مضاعفات ما ترتب على حديثه على الذين استنكروا كلامه فأخذوا يحذرون من الأطروحات الغريبة والشاذة، فبدلا من أن يبحث في منشأ الإثارة وسببها أخذ وفي مغالطة واضحة يركز على نتائجها - وهي نتائج طبيعية لمثل هذا الحديث الخطير - ليجعلها في منزلة العلة والسبب!! (ومن يرى الزبد يخله من لبن).
وسؤالنا لفضل الله: لو أن شخصا تكلم في مجلس خاص أو تطرق في كتاب إلى إهانات للنبي والأئمة صلوات الله عليهم بما يستوجب الحكم بالارتداد - كما حصل في قضية المرتد سلمان رشدي - فمن الملوم والمحاسب في ذلك، هل هو المتحدث والكاتب أم الناقل والمعترض؟ وغني عن البيان أن المقارنة (ومن ثم التطابق) هنا تتناول شكل الحالة وصورتها لا محتواها ومادتها.
ولا أرى نفسي في حاجة للرد على السفسطات التي عودنا عليها فضل الله وأخذ يستعملها للاستهلاك الاعلامي، لان أول من أثار هذه القضية هو شخصه وبالتالي فهو أحق الناس أن يشمله كلامه الذي قال فيه: (إننا نعتبر أن من يشغل المجتمع بمثل هذه القضية في مثل هذه الظروف العصيبة التي يقف فيها الاستكبار العالمي من جهة والكفر العالمي فيها من جهة أخرى من أجل أن يسقط الاسلام والمسلمين في أرضهم وعزتهم وكرامتهم وسياستهم، إن من يثير مثل هذه القضايا بالطريقة التي تعمل على تفجير الفتنة فهو لا يخلص لله ولرسوله وللمؤمنين) (2).