ووقع ما لم يكن يتوقعه فضل الله، ورأى نفسه في دوامة لم يجد منها مهربا، ولم تنفعه أمواله ولا صحفه ومجلاته من تحسين صورته أمام موجة الاعتراضات الكبيرة من مراجع وعلماء الحوزة العلمية والجماهير المؤمنة، وبقي أمام مفترق طريقين، فإما أن يعلن عن تراجعه وتوبته وهو بذلك يقر بأن منشأ ما قاله من انحرافات هو الجهل بالأسس العلمية فتذهب أتعابه في تسلم زمام المرجعية سدى، وإما أن يكابر ويستمر في باطله فتشتد عليه الاحتجاجات والاعتراضات، (وما هو إلا غرق أو شرق).
ويبدو أن فضل الله قد اختار الطريق الثاني ظنا منه أنه أسلم له، معتمدا على قدرته على المناورة والضغط التي يحسب أن بإمكانها أن تنقذه من المخمصة، فقد أكد على عدم استعداده للرد على أحد مبررا ذلك بأنه منصرف إلى مواجهة الاستكبار العالمي، وأن كتابة الردود تشغل الساحة بأمور هامشية! ويكفي لتفنيد هذا التبرير أن نعرف أن فضل الله يعتبر أشد الناس خوضا وإثارة لمختلف القضايا كبيرها وصغيرها بحجة أنه (ليس هناك ما هو تافه في السؤال والحوار)، بل إنه لم يلجأ لهذا التبرير إلا بعد عجزه وسقوط كل احتجاجاته، فقد دخل في نقاشات مع بعض العوام الذين لا يملكون خلفية علمية مناسبة حول ما صنفه قضايا هامشية، في حين تجنب أي حوار علني مع العلماء والمحققين المتخصصين!
ثم متى كانت كتابة الردود على الانحرافات والبدع وترسيخ البنية العقائدية في نفوس المؤمنين مانعة من الجهاد والوقوف في وجه مؤامرات العدو حتى في أشد الفترات ضراوة؟ بل هما يسيران جنبا إلى جنب إن لم يكن الاهتمام بالأسس العقائدية مقدما لان العمل الاسلامي لا يمكن أن يكون مثمرا إذا لم يعتمد على البنية الفكرية الصلبة، ولذا نلاحظ أن أكبر دعاة الوحدة الاسلامية وأكثرهم تحذيرا من الفرقة لم يهملوا الجوانب العقائدية والفكرية والتاريخية في حركتهم، لأنهم يدركون جيدا أن قوام الحركة بها، فها هو الامام الخميني (رضوان الله عليه) يتحدث في وصيته العظيمة عن مصحف فاطمة بما يعتبره بعض القاصرين ادعاء لنبوتها! ويؤكد أيضا على أن حديث الثقلين حجة على كل المسلمين وخاصة علماء المذاهب الأخرى، ويتطرق إلى حديث الغدير والمقامات الرفيعة لأهل البيت عليهم السلام وشهادة الزهراء عليها السلام، وأن الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) سيحقق ما لم يستطع أحد قبله من تحقيقه، وهو يعلم مع ذلك حجم المتابعة والرصد الاعلامي للاستكبار لمحاولة التصيد من أقل كلمة يظن أنها ستنفعه في إثارة أجواء التشويه والإدانة.
ولقد كفاني العلامة الجليل السيد جعفر مرتضى العاملي مؤونة الإجابة عن كثير من أمثال هذه الشبهات والإثارات بما ذكر في كتابه الأخير (لماذا كتاب مأساة الزهراء؟) ولذا أوصي اخواني المؤمنين بقراءته * * *