بينهما من حيث التعبير فسمى ما للأنبياء تفضيلا ونسبه إلى نفسه، وسمى ما عند الناس بالاختلاف ونسبه إلى أنفسهم، فقال في مورد الرسل (فضلنا) وفي مورد أممهم (اختلفوا) (1).
وقال السيد عبد الاعلى السبزواري:
(ورسل الله تعالى كلهم يشتركون في فضيلة الرسالة، ويستوون في هذا الموهبة الإلهية والمنحة الربانية، ويتفقون في أصل النبوة القابلة للتشكيك إلى مراتب متفاوتة، وهم حقيقون بالاتباع وجديرون بالاقتداء بهديهم، إلا أنهم متفاضلون في الدرجات ويتفاوتون في المقامات، ففيهم من هو أفضل ومن يكون مفضلا عليه بما امتاز به الأفضل من الخصائص، التي لا يعلمها إلا الله تعالى، قال عز وجل: (الله يجتبي من رسله من يشاء) والمراد بالرسل جميعهم، ولكن خص بعضهم بالذكر والوصف تعظيما أو لأجل بقاء أتباعهم، وهم ثلاثة من أولي العزم: موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم... ورفع الدرجة من الأمور الإضافة النسبية، فيصح أن يكون لرسول رفع درجة من جهة ولآخر رفع درجة من جهة أخرى، ولا ريب في أن لسيد الأنبياء صلى الله عليه وآله أرفع الدرجات على سائر الأنبياء.
... ويستفاد من الآية الشريفة أمور:
الأول: الآية الشريفة تنص على تفضيل رسل الله بعضهم على بعض، وهو لا يكون على حد الالجاء والاضطرار، بل ينتهي إلى الاختيار لترتفع الدرجات وتزداد المثوبات، وليس ذلك من قبيل تفضيل الأحجار الكريمة على سائر الأحجار، فقد شاء الله تعالى أن يكون بين رسله تفاضل حاصل من اختيارهم، ليكون لهم الجزاء الأوفى والدرجات العالية.
إن قلت: إنه ذكرتم التفاضل قد يكون بحسب الذوات الشريفة، فربما يكون بعض الأنبياء أكثر استعدادا من غيره، وهو خارج عن الاختيار، كما ورد عن نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة).
قلت: إن ذلك لم يكن على نحو العلية التامة المنحصرة، بل هو من مجرد الاقتضاء فقط، وإلا لزم فيه مفاسد كثيرة، لا يمكن الالتزام بها، فيكون المقام مثل قوله تعالى:
(فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما)، وليس مثل قوله تعالى: (ونفضل بعضها على بعض في الاكل) الذي يكون غير اختياري.
... (إلى أن يقول) الخامس: ذكر بعض المفسرين إشكالا على تفسير هذه الآية المباركة، بما ورد عن نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله بطرق مختلفة: لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون - أي يغشي عليهم - يوم القيامة). وقوله صلى الله عليه وآله: (لا تفضلوا بين أنبياء الله)، وفي بعض الاخبار عنه صلى الله عليه وآله: (لا تخيروني على موسى)، أو: (لا ينبغي لاحد