وقال العلامة الطباطبائي: (قد تقدم في قوله تعالى: (إن الله اصطفى) إلى قوله (على العالمين) أن الاصطفاء المتعدي بعلى يفيد معنى التقدم، وأنه غير الاصطفاء المطلق الذي يفيد التسليم، وعلى هذا فاصطفاؤها على نساء العالمين تقديم لها عليهن.
وهل هذا التقديم من جميع الجهات أو بعضها؟ ظاهر قوله تعالى فيما بعد الآية (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك) الآية، وقوله تعالى (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين) (1)، وقوله تعالى (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا * وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) (2)، حيث لم تشتمل ما تختص بها من بين النساء إلا على شأنها العجيب في ولادة المسيح عليه السلام أن هذا هو وجه اصطفائها وتقديمها على النساء من العالمين) (3).
أقول: ويدل على ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي من أن اصطفاء مريم على باقي النساء إنما كان للجهة التي ذكرها لا من جميع الجهات ما رواه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره بسند صحيح عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (...، وقوله (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)، قال عليه السلام: اصطفاها مرتين، أما الأولى أي اختارها، وأما الثانية فإنها حملت من غير فحل فاصطفاها بذلك على نساء العالمين) (4). فالرواية صريحة في أن اصطفاء مريم على نساء العالمين إنما كان من جهة الحمل من غير فحل، ولم يكن اصطفاء مطلقا، ويؤيده أيضا ما جاء في تحف العقول عما رواه عن الامام الكاظم عليه السلام في حوار بينه وبين هارون الرشيد (5).
خلاصة الجواب عن الشبهة: وبناء على ما نقلناه من أقوال المفسرين فإنه يمكن الجواب عن الشبهة بأحد الوجوه التالية:
الأول: إن المراد من العالمين هو الجم الغفير من الناس لا كلهم كما ذكرناه الزمخشري، فيرتفع التعارض، إذ لا منافاة بين سيادة مريم على كثير من النساء وهم من يكونون في زمن حياتها وبين سيادة الزهراء على النساء اللائي لم يعشن زمن مريم عليها السلام، بل وحتى اللائي عشن زمن مريم مع تعميم زمان السيادة أيضا.
الثاني: إن تقدم مريم عليها السلام على بقية النساء في العالم كان من جهة الشأن العجيب في ولادة المسيح عليه السلام كما ذهب إليه الجبائي والعلامة الطباطبائي وفيه رواية صحيحة في تفسير القمي.