والسند ضعيف لعدة أمور، فاسد بن يوسف ومحمد بن عكاشة مجهولان، وأبو إسحاق السبيعي مهمل، ويحيى بن طلحة النهدي مهمل ولكن لا تأثير في تضعيفه لأنه يشاركه في الرواية عن أبي إسحاق أيوب بن الحر وهو ثقة. أما أبو المفضل الشيباني فقد ذهب السيد الخوئي وآخرون إلى تضعيفه، وسيأتي أن هنا خصوصية ذهب البعض معها إلى قبول أخبار الشيخ الطوسي عنه مع وجود واسطة من الثقاة.
ثم إنه على فرض صحة السند فإن ذلك غير كاف في الاخذ بالحديث، إذ أنه يلزم حتى يؤخذ بالخبر ثلاثة أمور وهي: صحة السند، وجهة الصدور وهو كون الخبر صادرا للإفادة والعمل لا للتقية، وتمامية دلالة المتن على المطلوب.
ومن المقطوع به أن النص على فرض صحة سنده صادر تقية لمنافاته لنصوص أخرى صريحة في المقام، ولتسالم الطائفة على تفضيل الزهراء عليها السلام على مريم عليها السلام، فالشيخ الطوسي نفسه ذهب إلى استحباب أن يقال في زيارة فاطمة الزهراء عليها السلام: (السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين) (1). والأحاديث التي حملها علماؤنا على التقية سواء في الفقه أو غيره مما يعسر حصرها لكثرتها، يعرف ذلك كل من قرأ الأبحاث الفقهية ولو بشكل يسير.
ولذا علق العلامة المجلسي على هذا الحديث بقوله: (الاستثناء في قوله (إلا ما جعله الله لمريم) موافق لروايات العامة، وسيأتي أخبار متواترة أنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، ويمكن أن يكون المعنى أن سيادة النساء منحصرة فيها إلا مريم فإنها سيدة نساء عالمها) (2).
أما في خصوص تساوي الزهراء عليها السلام مع غيرها في الفضل فإنه لم يرد في أقوال علمائنا أيضا ما يشير إليه، وإن ورد في بعض الأحاديث ما يدل على أن أفضل نساء الجنة أربع منهم فاطمة عليها السلام، كما رواه الشيخ الصدوق من باب الأربعة من الخصال (3).
ولا يخفى أن هذا الحديث وما شابهه إن وجد في مصادرنا لا يدل في حد ذاته على تساوي النساء الأربع في الفضل، بل يدل على تقدمهن من حيث المجموع في الفضل على بقية النساء، هذا فضلا عن أن الشيخ الصدوق إنما أورد هذا الحديث لمجرد إثبات فضيلة لفاطمة عليها السلام من رواية أهل السنة كما هو مشهود لمن لاحظ سنده، لا أنه يتبنى تساوي الزهراء - على فرض القبول بدلالة الحديث عليه - مع غيرها في الفضل، فالشيخ الصدوق كما سيأتي ممن صرح بكون فاطمة عليها السلام هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. والأحاديث الدالة على كون فاطمة سيدة نساء العالمين كثيرة جدا في رواياتنا لا يسع المقام لضبطها، ولكننا سنورد واحدة منها للتبرك: