دينه فمن أراد من الإخوان أن يعرف ما ذهب من دينه فلينظر في كل عهد ذكرته له في هذا الكتاب ويتأمل في نفسه يعرف يقينا ما أخل به من أحكام دينه فيأخذ في التدارك أو الندم والاستغفار إن لم يمكن تداركه ثم لا يخفى عليك يا أخي أن مجموع أحكام الشريعة ترجع إلى ثلاثة أمور: أمر ونهي ومرغوب فيه لم يصرح الشارع فيه بأمر ولا نهي وإنما رغب في فعله بالثواب أو رهب من تركه بفوات الثواب كالوضوء على الوضوء فإن الترغيب في فعل شئ مؤذن بالرضا عن فاعله كما أن الترهيب من فعل شئ مؤذن بعدم الرضا عن فاعله وإن كان ذلك لم يلحق بدرجة الأمر والنهي الصريحين وعبارة الشيخ عز الدين بن عبد السلام في قواعده الكبرى اعلم أن كل فعل مدح في نفسه أو مدح فاعله من أجله أو وعد عليه بخير عاجل أو آجل فهو مأمور به لكنه متردد بين الإيجاب والندب اه.
وقد قسمت الكتاب على قسمين:
القسم الأول في بيان ما أخل به الناس من المأمورات.
القسم الثاني في بيان ما أخل به الناس من اجتناب المنهيات وإنما بدأت في أول الكتاب بقسم المأمورات وأخرت المنهيات وإن كان الواقعون في المنهيات أكثر عملا بالأصل من حيث أن الطاعات أصليه والمعاصي عارضه وأن كل مؤمن يود أن يطيع الله تعالى ولا يعصي أمره أبدا ولكن الله تعالى في تقديره المعاصي على عبده حكم وأسرار لا تخفى على من في قلبه نور ثم اعلم يا أخي أن طريق العمل بالكتاب والسنة قد توعرت في هذا الزمان وعز سالكها لأمور عرضت في الطريق يطول شرحها حتى صار الإنسان يرى الأخلاق المحمدية فلا يقدر على الوصول إلى التخلق بشئ منها فلذلك كنت أقول في غالب عهود الكتاب وهذا العهد يحتاج من يعمل به إلى شيخ يسلك به الطريق ويزيل من طريقه الموانع التي تمنعه عن الوصول إلى التخلق به أو نحو ذلك من العبارات إشارة إلى أنه لا يلزم من معرفة الفقيه بالأحكام الوصول إلى العمل بها بل يحتاج مع ذلك إلى شيخ يريه معالم الطريق كما وقع للإمام الغزالي والشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره وإنما شيدت كل عهد منه بالأحاديث الشريفة إعلاما لك يا أخي بأن عهود الكتاب مأخوذة من الكتاب السنة نصا واستنباطا لئلا يطعن طاعن فيها وسد الباب الدس من الحسدة في هذا الكتاب