عن الحضور مع الله تعالى، فإن من الآيات ما يذهب به إلى الجنة فيشاهد ما فيها، ومنها ما يذهب به إلى النار فيشاهد ما فيها ومنها ما يذهب به إلى قصة آدم ونوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، فكيف الحضور مع الله تعالى؟ وليس في قدرة النفس أن تشتغل بشيئين معا في آن واحد، ومن هنا قال مالك رحمه الله بأن إرخاء اليدين في الصلاة أولى للضعيف من وضعهما تحت صدره آخذا بيمينه يساره، لأن مراعاتها تشوش على العبد وتمنعه من كمال الإقبال على مخاطبة الله عز وجل ومناجاته، ولا شك أن مراعاة أدب الخطاب مع الحق أولى من مراعاة وضع اليدين تحت الصدر.
فعلم أن وضع اليدين تحت الصدر لا يؤمر به إلا من لم تشغله مراعاته عن كمال خطاب الله عز وجل من الأكابر الذين ثبتهم الله تعالى. أما الأصاغر فربما ذهلوا عن عدد ما صلوا من الركعات، وما قالوه من التسبيحات لأنها حضرة تذهل العقول كما يعرف ذلك أهل الله تعالى، ولولا أن الله تعالى يلطف بهم لما عرف أحد منهم عدد ما صلى. والله تعالى أعلم.
روى الترمذي والديلمي مرفوعا: " " لا يقبل الله تعالى من عبد عملا حتى يشهد قلبه مع بدنه " " وروى الترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا:
" " الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن وتبؤس وتقنع من لم يفعل ذلك فهي خداج " ".
وقوله تبأس معناه إظهار البؤس والفاقة، وقوله تمسكن من المسكنة والوقار وقوله تقنع أي يرفع يديه في الدعاء، وقوله خداج أي ناقصة الأجر والفضل.
وروى الطبراني مرفوعا: " " إذا صلى العبد فلم يتم صلاته بخشوعها وركوعها لم تقبل منه " ".
وفي رواية له: " " أول شئ يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا " ".
وروى الطبراني وأبو داود وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى يسمع لصوته أزيز كأزيز المرجل من البكاء