واحد منهما يقول أنا أعرف شخصا في عصرنا هذا من منذ وعى على نفسه ما أتى معصية قط فكان أصحابه يعرفون أنه يعني بذلك نفسه، لأن أحدا لا يعرف ذلك من غيره إلا من طريق الكشف على أنه قد يحصي الله تعالى على عبده ما لم يخطر له على بال.
ثم من المعلوم أن حضرة الإحسان لا يتصور دخول إبليس فيها أبدا ولو بحيلة من الحيل إذا لو صح دخوله لها لم يبق أحد تضاف إليه المعاصي بالوسوسة حتما، فتعين أنه لا يدخلها وإن من وقع له وسوسة في صلاته وادعى أنه في حضرة الإحسان فهو غير صادق في دعواه، ومن هنا عصمت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعكوفهم في حضرة الإحسان على الدوام، حتى في حال أكلهم وجماعهم ومزاحهم.
وسمعت أخي أفضل الدين يقول لفقيه رآه يقفز في الصلاة ليصطاد النية من الهواء، كيف تطلب النية والحضور والخشوع مع الله وكل عضو منك في واد مربوط بعلاقة شهوة من الشهوات فاقطع علائقك أولا ثم صل وإلا فلا يمكنك أن تقطع علائقك كلها حال إحرامك، ومن لازمك الالتفات لغير الله تعالى في صلاتك فلا يصح لك حضور ولا خشوع.
وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم لا يسامحون مريدهم في حضور شئ من الدنيا على باله وهو الصلاة، بل كان الجنيد رضي الله عنه يقول للشبلي: يا أبا بكر إن خطر في بالك من الجمعة إلى الجمعة غير الله فلا تعد تأتينا فإنه لا يجئ منك شئ.
فلا تظن يا أخي أن هذا المشهد من أعلى المقامات وإنما هو من أوائل مقامات المريدين وذلك لأن أول قدم يضعه المريد في الطريق يشهد الخالق للذوات ويحجب عن الوقوع مع اللذات كمن وصل إلى مجالسة السلطان لا يلتهي عنه بمشاهدة غلام يخدم خيل بعض جنده يحجبه بذلك الجمال البديع عن رؤية غيره.
ومن كلام الجنيد رحمه الله من شهد الحق تعالى لم يرى الخلق، ولا يجمع بين رؤية الحق تعالى والخلق معا في آن واحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكمل ورثته، وهذا الأمر لا يدرك إلا ذوقا.
وقد كان الشيخ معروف الكرخي رضي الله عنه يقول لي ثلاثون سنة أكلم الله والناس يظنون أني أكلمهم.
وأخبرني الشيخ يوسف الكردي من أصحاب سيدي إبراهيم المتبولي وكان يجتمع