إمامنا الشافعي رضي الله عنه يقول: الناس كلهم في الفقه عيال على أبي حنيفة، فكيف يسوغ لأمثالنا أن يتصدر للرد عليه؟ هذا فوق الجنون بطبقات وقد قال تعالى:
* (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) *.
فأمر الله تعالى بإقامة الدين لا بإضجاعه بالتكبر على أئمته، وهذا الأمر قد فشي في مقلدي المذاهب، فترى كل إنسان يدحض حجة مذهب غيره، حتى لا يكاد يبقى له تمسكا بكتاب ولا سنة، وذلك من أقبح الخصال، وإنما كان اللائق بهم الجواب عن الأئمة إما بعدم اطلاعهم على ذلك الدليل الذي ظفر به الراد عليهم وإلا بان ذلك المجتهد منزعا في الاستنباط من وجوه قواعد العربية يخفى على أمثالنا.
وقد بلغنا أن الإمام الشافعي لما دخل بغداد وزار قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، حضرته صلاة الصبح فترك القنوت مع أنه يقول به فقيل له في ذلك، فقال استحييت من الإمام أن أقنت بحضرته وهو لا يقول به. فرضي الله تعالى عن أهل الأدب. هذا من باب الآداب والسنن، أما الواجب والحرام، فإذا قام عند المجتهد دليل فيه فليس له أن يتركه أدبا مع من يخالفه فافهم.
وقد حكى الشيخ محي الدين في الفتوحات المكية أن من وراء النهر جماعة من الشافعية والحنفية لم يزل الجدال بينهم قائما طول السنة حتى أن بعضهم يفطر في رمضان ليتقوى على الجدال مع خصمه.
روى الطبراني مرفوعا: " " إن الشريعة جاءت على ثلاثمائة وستين طريقة " ".
انتهى فلا ينبغي لأحد أن يرد على من يجادله إلا إن نظر في هذه الطرق كلها، ولم يجد كلام خصمه يوافق طريقة واحدة منها، وما ذكر الشارع ذلك إلا سدا لباب الجدال بغير علم تقوية للدين فإن النزاع يوهنه ويضعفه.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا يقوم الدين إلا بالاتفاق عليه لا بالاختلاف فيه ثم لا يصح للعلماء اتفاق إلا إن خرجوا عن رق الشهوات النفسانية وما لم يخرجوا فلا يصح لهم ارتباط قلوبهم مع بعضهم بعضا أبدا. فاعلم أن أنصار الدين حقيقة هم الذين سلكوا الطريق وخرجوا من حضرة النفوس إلى حضرة الأرواح، فإن الأرواح