دينار وعياله على ما هم عليه من الضيق، لم يوسع عليهم شيئا، وهذا العهد قد كثرت خيانته من غالب فقراء هذا الزمان، حتى صاروا يسافرون من مصر إلى الروم في طلب الدنيا ولو أن بعض المريدين فعل ذلك لعيب عليه فكيف بالشيخ.
وقد عرضوا على سيدي علي الخواص رحمه الله أن يجعلوا له مسموحا فأبى، وقال هذا مال لا ينبغي أن يكون إلا لعسكر السلطان الذين يسافرون في التجاريد، وأما الفقير الجالس منا في بيته أو في زاويته فلا ينبغي له أن يأخذ من ذلك درهما واحدا، وكذلك عرضوا علي بحمد الله نحو أربعة آلاف دينار أوصى بها لي قاضي إسكندرية فرددتها احتياطا لنفسي من أكل مال القضاة والشبهات التي لم تقسم لي، وخوفا عليها من ميلها إلى جميع الدنيا فالحمد لله على ذلك.
وقد سافر شخص من فقراء مصر المحروسة إلا بلاد الروم فاجتمع باياش باشاه الوزير فقال له ما جاء بك إلى بلادنا فقال أطلب شيئا من مال السلطان يقوم بعيالي فقال له وما حرفتك، فقال أدل الناس على الله تعالى فقال له أف عليك أيها الشيخ كيف تسافر في سن الشيخوخة من مصر إلى هنا تطلب الدنيا أما كان في مصر وقراها ما يكفيك مع أنك ترى ربك وهو يرزقك أنت وعيالك من حين ولدت إلى أن صارت لحيتك بيضاء لم يقطع بك يوما واحدا، فإذا كنت وأنت في هذا السن لم تثق بضمان الله لرزقك، ولم تطمئن نفسك إلى قوله تعالى:
* (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) *.
فبالله عليك أين معرفتك بالله حتى تدل الناس عليه، فما درى الشيخ ما يقول ورجع إلى مصر نادما هذه حكاية صاحب الواقعة لي بنفسه.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول يجب على من تصدر للمشيخة والشفاعات عند الحكام أن لا يقبل منهم هدية ولا برا ولا حسنة، ولو كان ذلك حلالا من أصله، فإن من قبل من الولاة شيئا هان في أعينهم وردوا شفاعته لكونه صار معدودا من عيالهم فهو ولو كان معه سر لا يصلح له أن يؤثر فيمن يعوله ويطعمه ويكسوه، ولا يستجيب الله له فيه دعاء ولو دعا عليه وهذا الأمر قد عم غالب الفقراء فبطلت شفاعتهم عند الحكام وعدموا تفريج كرب المكروبين.
فاترك أيها الشيخ الدنيا والاهتمام بشأنها ولا تكن متهما لربك وما قسمه الله تعالى لك لا بد أن يأتيك ولو تركته ولا يخرج عنك والله يتولى هداك.