المارستان فيدور على أهل البلايا ويسلم عليهم ويصبرهم ولا يسلم [ولا يمر؟؟] على أحد من أهل مصر إلا بعد أهل المارستان، فما كان يخرج إلا وهو حامد شاكر لله تعالى بكل شعرة فيه.
وقد حبب لي أن أذكر لك يا أخي جملة من الأمراض التي عافاك الله منها منشورة على أعضاء البدن من الرأس إلى الرجلين لتحدث عند ذكر كل مرض شكرا لله عز وجل الذي عافاك من ذلك البلاء مع استحقاقك أضعافه لا سيما إن كنت من الصالحين أو من العلماء العاملين، فإن ميزان الحق تعالى منصوبة على هؤلاء بالتأديب والبلاء والمحن حتى لا يغفلوا لحظة واحدة عن ربهم، فإن الغفلة عن الرب عند أهل الله عز وجل من أعظم الذنوب التي يقع فيها، ووالله لو أن عبدا عبد الله عز وجل مدة الدنيا كلها بعبادة الثقلين ما أدى شكر معافاته من مرض واحد من الأمراض.
إذا علمت ذلك فأقول وبالله التوفيق:
ينبغي للعبد أن يتذكر ما أنعم الله به عليه من العافية صباحا ومساء، ويشكر الله تعالى على ذلك، فكم ممن هو بالصداع الحار أو البارد لا يفتر عنه ساعة؟ وكم ممن هو مبتلي بالشقيقه لا تدعه يستلذ بنوم وكم ممن هو بالضارب ليلا ونهارا حتى كاد أن يعمى بصره وكم ممن هو مبتلى بالماليخوليا والصرع والفالج ورعشة الرأس ليلا ونهارا؟ وكم ممن هو مبتلى بالتشنج والكزاز والاختلاج والاسترخاء والنزلات والوساوس السوداوية والقطرب والكابوس وبرد الرأس وقروحه وسدد الدماغ وغير ذلك؟ وكم ممن انصبت المواد الرديئة في عينيه حتى أشرف على العمى أو عمى. وكم ممن طلع في عينيه السبل والظفرة والدمعة والشعرة والجرب والغشاوة والبياض. وكم ممن نزل الماء في عينيه وتربى في أجفانه الدود فهو يغلي في جفونه ليلا ونهارا وكل يوم يقلبون جفنه ويلحسون الدود ليخف عنه الغليان. وكم ممن تسلقت أجفانه وانتتف شعر عينيه أو ابيض حتى تشوهت صورته. وكم ممن طلعت في عينيه قروح ودمامل ونملة وسرطان واشتد عليه الضارب وصار الدم والقيح ينضح من عينيه ليلا ونهارا. وكم ممن تورمت أذناه واستدت وطرشت وصمت وتقرحت ودودت من صرصورها ولحقها الضارب حتى يحس الإنسان بأن وتدا من حديد يدق فيها ليلا ونهارا. وكم ممن دخل في أذنه حيوان مؤذ فلم يقدر أحد على إخراجه فمنعه من الأكل والنوم. وكم ممن طلعت في أنفه توتة أو طاعون فأكل أنفه حتى صار طاقة مفتوحة والقيح والصديد ينضح منه حتى تقذرته زوجته وطلبت فراقه. وكم ممن طلعت في داخل أنفه قروح فعجز عن اندمالها. وكم ممن أصابه الرعاف الدائم حتى أشرف على الموت من سيلان