ولو علت مرتبته، فاعلم مما قررناه توجيه قول بعضهم إن المرض له ثلاث حالات: فإن كان المرض رفع درجات فلا ينبغي له سؤال العافية منه، وكذلك إن كان عقوبة أو مكفرا، ومن هنا سلم الأكابر لله تعالى ولم يسألوا الإقالة حقيقة، وإنما سؤالهم تملق لله تعالى و إظهار للضعف لا غير.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا يخلو كامل من جزء فيه يمل من المرض لعدم طاقته للزيادة، فما سأله الإقالة من المرض إلا ذلك الجزء، وأما بقية أجزائهم فكلها راضية بالمرض وربما تلذذت به.
وهذا تحقيق عظيم، فرحمه الله تعالى ما كان أدق نظره.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يخرجه من رعونات النفوس ومن دعوى القوة وغيرها من الدعاوي الكاذبة، حتى لا يفتضح بشئ يدعيه في الدنيا والآخرة، ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه الدعاوي لما ليس من شأنه القدرة عليه.
وقد كنت أنا وأخي الشيخ أبو العباس الحريثي في جنازة فجاء لنا شخص من مشايخ الزمان وقال عندي من القوة الآن ما لو قبضت على الحديد لتعجن في يدي، فأخرج له أبو العباس مفتاح كالون؟؟ حديد فقال خذ هذا أرنا ما ادعيت فافتضح الشيخ المدعي، ومن ذلك اليوم ما ادعى عندنا دعوى أبدا.
فاسلك يا أخي على يد شيخ يشهدك ضعفك حتى تجد نفسك أضعف من ناموسة، كما هو شأن العارفين رضي الله عنهم، حتى إن بعضهم كلف بحمل ليمونة فلم يقدر، وبعضهم لم يقدر يحمل على بدنه قميصا من الضعف وآثر العري إلا مع المئزر، وبعض المجاذيب تعرى: و * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *.
وما أنكر مثل ذلك إلا من لا ذوق له في مقامات الرجال، وأنشدني شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله:
ولو يذوق عاذلي صبابتي * صبا معي لكنه ما ذاقها فمل يا أخي إلى الضعف الذي هو أساسك وسداك ولحمتك، وإن جاءك قوة من الله تعالى في تحمل البلاء فهي عارضة، والله يتولى هداك.
وقد كان بالإمام الشافعي رضي الله عنه بواسير تنضح الدم ليلا ونهارا حتى صار