وتحتاج يا أخي إلى طول زمان وصبر على مأمورات شيخك، وغالب الناس يرجع من الطريق فلا يحصل من قطع العلائق على طائل.
وإيضاح ذلك أن طريق السير في الطريق طريق غيب والمريد كالأعمى الذي يريد يسلك طريقا طول عمره ما سلكها، والشيخ كالمسافر الذي سلكها في نور الشمس زمانا طويلا فعرف مهالكها كلها، فهو بتقدير أنه يعمي أو يسير في ظلمة الليل يعرف المهالك والطرق المسدودة كدليل الحاج سواء، فمن سلم للشيخ وانقاد له قطع تلك الطريق ونجا من العطب، ومن لم يسلم للشيخ لا يعرف يمشي وربما وقع في مهلكة، فلم يعرف يخرج منها حتى يموت، ولولا أنها طريق غيب لا يقدر أحد على سلوكها وحده ما كان للدعاة إلى الله فائدة من أنبياء وأولياء وعلماء، فلا بد من مزيد خصوصية، فتأمل.
فإن قال لنا قائل: الأعمال مقسومة لكل شخص فمن قسم له شئ فلا بد أن يفعله فلا نحتاج إلى آمر بذلك.
قلنا: والآمر أيضا مقسوم فلا بد أن يقع، فليس للشيخ مدخل في القسمة، وإنما له مدخل في إصلاح العبادة وتعليم المريد كيفية فعلها على الوجه الشرعي بحيث يخلص من الآفات.
وقد أجمع الأشياخ على أنه لو صح لعبد أن يأتي بالمأمورات على الوجه الذي أمره الله تعالى به من غير خلل لما احتاج أحد إلى شيخ، لكن لم يصح لهم ذلك فاحتاجوا ضرورة إلى من يبين لهم مراد الحق فلذلك احتاج أتباع المجتهدين إلى المجتهدين ليبينوا لهم مراد الشارع، فقلدوا الأتباع إلى من يبين لهم مراد المجتهدين، وهكذا فكل أهل دور يعرفون مراد الدور الذي قبلهم لقربهم منهم، ولو أراد الذين بعدهم أن يعرفوا الواسطة التي قبلهم ويستقلوا بفهم كلام من قبلهم على وجهه، لا يقدرون.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: من شرط عبد الله الخالص أن يكون له مانع يمنعه عن دخول حضرته تعالى، ومتى كان عنده مانع فهو عبد ذلك لا عبد المخصوص.
وسمعت سيدي عليا المرصفي رحمه الله يقول: كل مريد أمره شيخه برمي ما بيده من الدنيا فأبى فقد مكر به واستحق الطرد عن حضرة الله تعالى فلا يرجى له فلاح بعد ذلك أبدا فهنيئا لمن جعل خده أرضا لأستاذه يمشي عليه بنعله.