* (وما ذلك على الله بعزيز) *.
فهذا حالي الآن وما أدرى ماذا يقع لي عند الموت فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم لا يخفى أن من شرط الفقير أن لا يكون له اختيار مع الله تعالى، فقولي إني صرت أود أن لو كان عندي كل يوم ألف إردب ذهبا إنما هو من حيث التكسب وإظهار الفاقة والحاجة بمعنى أننا نرى من كثرة ذنوبنا أننا لو تصدقنا منها كل يوم أو ساعة بالألف الإردب الذهب لا يكفرها، فنحن ننقبض لزوال الدنيا من كفنا كما ننقبض لوقوع المعاصي على يدينا سواء.
وأما من حيث الرضا عن الله تعالى فيما قسمه فلا نختار غير ما اختاره لنا، فإن وسع علينا الدنيا فرحنا وإن ضيقها علينا فرحنا بذلك، وعلى ما قررناه من محبة الكمل للدنيا يحمل حال العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر له النبي صلى الله عليه وسلم بعطاء وصار يحثو في بردته فلما أراد أن يحملها عجز فما بقي يهون عليه أن ينقص منها ولا هو يقدر يحملها، فكان قصد العباس رضي الله عنه بأخذه الكثير من الذهب إظهار الفاقة ولتكثر الصدقة والنفقة على يديه، لا أنه يأخذها ويمنع نفسه منها من الخير كما هو شأن أبناء الدنيا فافهم، فوالله إني لأحب لجميع أصحابي أن لو كان مع كل واحد مثل أحد ذهبا وأكره لهم ضيق اليد بشرطه الشرعي، وما منع الله أهل القناعة باليسير من الدنيا إلا فتحا لباب الراحة للعبد وإراحته من تعب المزاحمة على الرزق، ومعاداة إخوانه المسلمين لأجلها.
وأما من يسأل الله تعالى كل ساعة توسعه الدنيا لينفقها على خلق الله فلا حرج عليه، ولا مضايقة له في حق أحد فحكم من يطلب من الله كثرة الدنيا لينفقها حكم من يطلب من الله كثرة الأعمال الصالحة ليدين الله تعالى بها سواء لأن كلاهما عبادة.
وكان فيما نسخت تلاوته لو أن لابن آدم واديين من ذهب لابتغى ثالثا، ولو أن له ثالثا لابتغى رابعا، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.
ويجب استثناء جميع الأنبياء والأولياء من محبة ذلك وإن كانوا من بني آدم لعصمتهم أو حفظهم من محبة الدنيا لغير الله تعالى.
وقد كان أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول في قوله تعالى:
* (منكم من يريد الدنيا) * أي للآخرة * (ومنكم من يريد الآخرة) *. أي لله.