وقد اجتمعت مرة بإبليس لعنه الله بساحل نيل مصر في واقعة، فجادلته وجادلني وكان من جملة ما قال لي: لم يسلطني الله تعالى قط على إنسان إلا بعد وقوع ميل منه إلى ذلك الأمر الذي وسوست له به، فالإنسان ككفتي الميزان وقلبه كلسان الميزان وأنا واقف تجاهه أنتظر ميل قلبه لمعصية فأنفذ قضاء الله فيه بحكم الإضافة فقط، فلا آتيه إلا إن رأيت لسان الميزان خرج من قبها وتدلى فهناك آتيه فأنحيه إلى فعل تلك المعصية وما دام لسان الميزان لم يخرج وهو واقف في خط استواء القلب فلا سلطان لي عليه، لأنه إما معصوم كالأنبياء، وإما محفوظ كالأولياء.
وقلت: من تحقق بهذا كشفا وشهودا فهو الذي يقيم حجة الله تعالى على نفسه وإلا فمن لازمه أن يقول أي شئ أعمل؟ قدر الله تعالى علي! فلا يكاد يندم إلا قليلا، وقد طلب الله تعالى منا في هذه الدار الندم والاستغفار عند كل معصية ولم يكتف منا بذلك في الباطن من غير إظهار، وذلك ليقتدي بنا المريدون ويعظموا حدود الله إذا وقعوا في معصية، ومن هنا سموا الكامل أبا العيون، فعين ينظر بها التقدير الإلهي ليعطي التوحيد حقه:
* (والله خلقكم وما تعملون) *.
وعين ينظر بها نسبة الفعل إلى نفسه ليتوب ويستغفر من كل ذنب في آن واحد.
ولا يعرف ما قلناه إلا من سلك الطريق، فإن الإنسان أول ما يفتح عينيه على نسبة الفعل إليه، فلا يزال كذلك حتى يدخل الطريق وتنجلي له حضرة التوحيد، فهناك يشهد الفعل لله تعالى وحده بقطع النظر عن الخلق جملة، ويصير جبريا محضا ثم يرقيه شيخه إلى حضرة يشهد فيها نقص ذلك المقام من حيث أن عدم نسبة الفعل للعبد كالتكذيب للقرآن، فإن الله تعالى أضاف العمل إلى العبد وأقام به عليه الحجة، فكيف يقول لا عمل لي ولا حجة لله علي. وأكثر ما يقع في هذا النقص من يسلك بغير شيخ، وربما ذاق حضرة التوحيد فوحل فيها إلى أن مات معطلا من العمل بالشريعة فلا تكاد تجده يحرم حراما ولا يستغفر من ذنب مطلقا، وإن قال له شخص إن الله تعالى قال:
* (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) *.
أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام.
قال ذلك في حق قوم يشهدون أن لهم مع الله ملكا ونحن لا نشهد ذلك، ومن هنا