وبلغنا أنهم صبوا مرة على الجنيد غسالة سمك وهو خارج لصلاة الجمعة فعمته من جمته إلى ذيله، فضحك وقال: من استحق النار فصولح بالماء لا ينبغي له الغضب، ثم عاد إلى البيت واستعار ثوب زوجته فصلى فيه.
وكان السلف الصالح رضي الله عنهم كلهم يقولون: الدرجات هي الخلق الحسن، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدرجات، وكانوا إذا آذاهم إنسان يعتذرون إليه ويقولون: نحن الظالمون عليك، ولو أنا أطعناك فيما طلبته منا ما آذيتنا فاللوم علينا لا عليك وكانوا إذا بلغهم عن امرأة أو عبد سوء خلق تزوجوها أو اشتروا العبد وصبروا على سوء خلقهما، وكذلك كانوا يشترون الحمارة أو البغلة الحرون فيركبونها ولا يضربونها يروضون نفوسهم في الصبر عليها، وكان على هذا القدم سيدي أفضل الدين رحمه الله، فكان لا يحرك رجله على الحمارة أبدا إذا ركبها، ويحتاج مثل ذلك إلى طول روح عظيمة لا سيما الحديد المرارة.
وقد رأيت مرة شخصا نحريرا ضرب حمارته فلم تمش، فنزل وصار يعضها في أذنها وذنبها بفمه، ويقول: هيه يا مشومة هيه يا مشومة، كأنه يخاطب من يعقل.
وقد رأيت مرة شخصا انقطع الجحش من وراء حمارته، فقال له: طرش طرش، فلم يجئ، فقال له: يا سيدي قطب الدين يا سيدي قطب الدين، فلم يجئ، فنزل وضربه فمات في الحال، وقال: لا تجئ بقولي طرش ولا بقولي يا سيدي قطب الدين، فأقول جزاؤك الموت.
ورأيت مرة شخصا علق بقرته يطحن عليها لما ضعف ثوره فلم تدر في الطاحون فضربها فلم تدر، فقال: قفي لي، أنا أعرف أن نفسك كبيرة لأجل الشوية السمن التي حوشتها من لبنك، ثم ذهب وأتى بالقدرة السمن فكسرها في مدار الطاحون، وقال: بقيتي تكبري نفسك بإيش، ثم ضربها بمزربة فماتت. والحكايات في سوء الخلق كثيرة، وإنما ذكرت بعض ذلك لتعلم أن الواجب على كل مؤمن أن يروض نفسه ليصبر على تحمل أذى الناس والدواب ولا يخرج إلى طبع المجانين، فإن حكم هؤلاء الذين ذكرناهم حكم المجانين بلا شك، فاعلم أن من أعظم حسن الخلق صبرك على من تقدر على تنفيذ غضبك فيه ثم تتركه كزوجتك وفتاك.