العاقلة إنهم هم الذين كانوا سببا لتجرئه على القتل لإغرارهم، فلولا أنه جعل الدية عليهم لم يكفوه عن القتل، فلما جعلها عليهم كانوا أول من يكفه عن ذلك خوفا من غرامة الدية " ".
ويتعين العمل بهذا العهد على العلماء والصالحين لكونهم قدوة للناس فربما شاححوا في حقهم فاقتدى بهم العوام والظلمة وقالوا إن فلانا مع صلاحه وعلمه غلبت عليه النفس ولم يصفح، فنحن أضعف منهم، وما فاز الصالحون وتميزوا عن غيرهم إلا باحتمال الأذى والصفح عن زلل الإخوان في حقهم، وإن شاححوا أحدا فإنما ذلك تأديب له وتقبيح لئلا يتجاسر على غيرهم كما وقع ذلك لشيخنا الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى.
فحكى لي الأخ الصالح الشيخ شعيب خطيب جامع الأزهر رحمه الله قال: " " دخلت على الشيخ جلال الدين السيوطي وهو محتضر فقبلت رجله وسألته الصفح عمن كان آذاه من الفقهاء، فقال: يا أخي قد سامحتهم من حين وقعوا في حقي، وإنما أظهرت لهم التشويش والعداوة بسبب ذلك وصنفت كراريس في الرد عليهم لئلا يتجرؤا على أعراض غيري من الناس، فقال الشيخ شعيب، وهذا هو كان الظن بكم " ".
قلت ومع صفحه رضي الله عنه مقتوا كلهم ولم ينتفع أحد بعلمهم وكان أصل ذلك كله أنه أمرهم بمعروف لما تولى الشياخة على الخانقاه البيبرسية فرآهم لا يحضرون لا بأنفسهم ولا بنائبهم ولهم عبيد وبغال وسراري وأموال فقال: شرط الواقف أن الخبز والجوامك إنما هي للفقراء المحتاجين الذين اجتمعت فيهم شروط الصوفية المذكورة في رسالة القشيري وغيرها، فتجمعوا على الشيخ وضربوه ورموه في الميضأة بثيابه، فعزل نفسه وحلف أن لا يسكن مصر ما عاش فأقام في روضة مقياس النيل حتى مات، ورأيت شخصا ممن قال ضربته بقبقابي على كتفه في أسوأ الأحوال استولت عليه نفسه في أكل الشهوات مع إفلاسه فكان ينصب على كل من رأى معه دجاجا أو أوزا أو سكرا أو عسلا، ويقول: بعني ذلك، ثم يذهب به إلى البيت ويأكل ذلك ويختفي حتى يزهد صاحب ذلك المتاع من طول التردد ويصير ذلك في ذمته إلى يوم القيامة، ولما مات لم يتبع جنازته أحد.
نسأل الله العافية ومما أخبرني به أيضا قال لما عجزنا عن أذاه بوجه من الوجوه اجتمعنا نحو عشرة أنفس ودخلنا عليه وقلنا له: يا سيدي، قدر أننا كفار وأسلمنا وقد استخرنا الله تعالى أن نقرأ عليكم فلعل لأن يحصل لنا خير، قال: وصرنا نقر أعليه نحو سنة وهو محترز منا فلما كان بعد سنة أذاه بعض الناس فقمنا عليه وأظهرنا للشيخ شدة المحبة له فركن إلينا فقلنا