الدخول إلى داري أبدا، فكان يقول للخادم غديتم العجوز الفلاحة، عشيتم العجوز الفلاحة، مع أن عنده المال والثياب ويترجمه الناس بأكثر من عشرة آلاف دينار، ولو أنه كان فيه رائحة الأدب مع الله وقبل وصيته في قوله:
* (وبالوالدين إحسانا) *.
لكساها بدلة قماش وصارت أم الشيخ على رؤوس الأشهاد، فبالله أين ثمرة علم مثل هذا فإياك يا أخي ثم إياك.
وقد بلغنا عن الشيخ بهاء الدين أنه قال: " " بينما أنا راكب مع والدي شيخ الإسلام تقي الدين السبكي في طريق الشام، إذ سمع شخصا من فلاحي الشام يقول: سألت الفقيه يحيى النووي عن مسألة كذا وكذا، فنزل والدي عن فرسه، وقال: والله لا أركب وعين رأت الشيخ يحيى النووي تمشى، ثم عزم عليه بركوب الفرس، وأقسم عليه بالله وصار الشيخ ماشيا حتى دخل الشام " ". فهكذا يا أخي كان العلماء يفعلون بأشياخهم، مع أنه لم يدركه وإنما جاء بعد موته بسنين، كان يدخل دار الحديث بالشام ويدور في أبوابها وعطفها ويصلى فيها ويقول لعلي أمس موضعا مسته قدم النووي ثم ينشد:
وفي دار الحديث لطيف معنى * أصلي في جوانبها وآوى عساني أن أمس بحر وجهي * مكانا مسه قدم النواوي وما رأت عيني في مشايخ الزمان أحدا يبر أصدقاء شيخه وخدامه مثل شيخنا سيدي محمد الشناوي رحمه الله، وكان إذا رأى أحدا ممن وقع بصره على أستاذه الشيخ محمد السروي يصير يرفرف عليه كالطير الحمام على ولده، لكونه كان يعرف نفاسة ما دعاه الشيخ له، وقد اجتمع على الشيخ محمد السروي نحو عشرة آلاف وتلقنوا عليه، كما حكى لي ذلك وقال: قد أخذوا عني ولكن لم يعرفني أحد منهم سوى ابن الشناوي، لأن شرط المعرفة بمقام إنسان الإشراف على مقامه، هذا لفظ الشيخ محمد لي بالزاوية الحمراء خارج مصر رضي الله عنه، ويليه في طائفة الفقهاء في التعظيم لأصحاب شيخه الشيخ شهاب الدين الرملي الشافعي بمصر المحروسة، كان إذا رأى أحدا من أصحاب الشيخ برهان الدين ابن أبي شريف أو أحدا من أصحاب الشيخ زكريا يجله ويعظمه ويقول:
كأني أنظر إلى الشيخ إذا رأيت أحدا من أصحابه، ولذلك أجله الله تعالى وجعل الفقهاء