في ذلك كفاية في الزجر، وقد من الله تعالى على بانشراح الخاطر بالأكل مع الناس، وانقباضه إذا أكلت وحدي، فأحس باللقمة تنزل في جوفي مظلمة موحشة، فإذا دعوت أحدا للأكل معي ولو واحدا زال ذلك هذا جربته في نفسي كما جربت ذلك في الصلاة في الجماعة والصلاة وحدي، من حيث أن كلا من الجماعتين مطلوب شرعا.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يربيه حتى يخرجه عن شح النفس، ويعطل صفته عن الاستعمال، فإنه جبلي في النشأة ولذلك قال تعالى:
* (ومن يوق شح نفسه) *، وما قال تعالى: ومن يزول شح نفسه. ونظير ذلك قوله تعالى:
* (ومن شر حاسد إذا حسد) *.
والحسد مقرون بالنعمة، فلو أنه شرع للإنسان أن يستعيذ بالله من وجود الحاسد لكان ذلك استعاذة من وجود النعمة، فإن الحاسد لا يفقد إلا بفقد النعمة، ومعلوم أن نعمة مع حسد خير من نقمة بلا حسد.
فاسلك يا أخي على يد شيخ حتى يخرجك من ضيق الشح والبخل إلى ساحة الجود والكرم، فتكون محبوبا للناس ولو كنت فاسقا، بخلاف ما إذا كنت شحيحا بخيلا، فإنك تكون مبغوضا لهم، ولو كنت على عبادة الثقلين، ولا شك أن محبة أخينا المسلم لنا أنفع من أكلة نلقيها عذرة في الخلاء وعلينا تبعتها وحسابها في الآخرة. فأكثر من العزومات على الإخوان جهدك ليأخذوا بيدك إذا عثرت في الدنيا والآخرة، لكن عند وجود ذلك من حلال من غير تكلف، وإذا علم الحق تعالى من قلبك السخاء والكرم أجرى على يديك أرزاق الخلائق بقدر ما عندك من ذلك، فطوبى للأجواد. وفي المثل السائر: إذا قل مال المرء وإطعامه الطعام قلت أصدقاؤه، وإيضاح ذلك أن الغالب على أصدقاء الزمان العلل النفسانية التي تميل إليها النفوس، فلا يصحبون شخصا إلا ويشركون معه محبة إحسانه، وإذا انتفى إحسانه لا يكادون يقدرون على نفوسهم أن تميل إليه كل ذلك الميل الكلي، بحيث يكون عندهم كمن يطعمهم ويحسن إليهم أبدا، والدين ما قام إلا بالعصبية والمعاضدة ولا تقع عصبية وتعاضد قوم إلا بإحسانهم إلى بعضهم، وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب.