فلن تخرب الدنيا بموت شرورها * ولكن موت الأكرمين خرابها انتهى كلام الشافعي رضي الله عنه. ولما بلغ الأربعين سنة رضي الله عنه أمسك العصا فقيل له: نراك تدمن إمساك العصا ولست بمحتاج إليها فقال لأذكر أني مسافر من هذه الدار وأنشد أيضا لما خرج من بغداد إلى مصر:
ومتعب العيش مرتاح إلى بلد * والموت يطلبه في ذلك البلد وماش والمنايا فوق هامته * لو كان يعلم غيبا مات من كمد آماله فوق ظهر النجم شامخة * والموت من بين رجليه على رصد من كان لم يعط علما في حياة غد * فما تفكره في رزق بعد غد وأنشد أيضا لما خرج من بغداد أو من مكة إلى مصر:
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر * ومن دونها أرض المهامة والقفر فوالله ما أدري إلى الفوز والغنى * أساق إليهما أم أساق إلى قبري ولما تمنى بعض الناس موته أنشد يقول:
تمنى رجال أن أموت * وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى * تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد وإنما ذكرت لك يا أخي هذه الأشعار لتعرف أن السلف الصالح كان الموت على بالهم لا يغفلون عنه ساعة ويحبون من يذكرهم بالموت سواء كان شيبا أو انحناء أو مرضا أو غير ذلك.
واعلم أنه قد يكون للإنسان زوجة شابة وهو شائب فتكره منه الشيب فلينظر صاحب هذه الحال بين مفسدة إبقائه ومفسدة نتفه، ويفعل ما هو الأحق.
وقد أخبرني سيدي عليا الخواص رحمه الله أن عمره مائة وسنة وشئ، فقلت له: إن شيبكم في اللحية قليل، فقال لما ضربني الشيب وأنا ابن خمسين سنة تكدرت ابنة عمي، فوقف الشيب عن الزيادة من ذلك اليوم.
وكذلك وقع لي أنا مع وزوجتي أم عبد الرحمن، نمت بحضرتها فشرعت تنتف الشعرات البيض، فاستيقظت على جذبها الشعر فوقف الشيب من ذلك اليوم.