الذين لم يفطموا على يد شيخ، فيزين الشيطان لهم أنهم صاروا موحدين، لا فعل لهم مع الله تعالى فلا يكاد أحدهم يستحضر له ذنبا يستغفر الله منه، وربما قال في نفسه بعيد أن مثلي يعذبه الله، ولو كشف الله عن بصيرته كما كشف للعارفين لرأى أنه استحق الخسف به في الدنيا ودخول النار في العقبى، إذ العبد سداه ولحمته ذنوب وكم وقع العبد في ذنب ونسيه وسيبدو له ذلك في يوم القيامة، فأكثر يا أخي من الاستغفار.
وقد كان سيدي عليا الخواص يتفقد أعضاءه من رأسه إلى قدمه كل يوم صباحا ومساء ويتوب إلى الله تعالى من جناية كل عضو ذلك اليوم أو تلك الليلة لا سيما الأذن والعين واللسان والقلب، ويقول إن الاستغفار يطفئ غضب الجبار، ومن قال استغفر الله لم يبق عليه ذنب إن شاء الله تعالى، لا سيما إن أشرف الإنسان على معترك المنايا وضاق عمره عن العمل الصالح فإن هذا ما بقي له شئ أنفع من الاستغفار.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: ما توقف عن أحد حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا من تركه الاستغفار قال تعالى: * (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى) * الآية. وقال تعالى: * (استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) *.
فاعلم أنه ما لمن عزل عن وظيفته أو حبس على جريمته أو دينه أنفع من كثرة الاستغفار وذلك أن العزل والحبس خزي للعبد بين الناس ونكال، فإذا أرضى ربه بالاعتراف والاستغفار ورضي عنه ربه أخرجه لوقته من السجن فإن استغفر ولم يطلقه الحق تعالى فهو دليل على أن الحق تعالى لم يقبل توبته وأن عنده بقية تجبر أو ميل إلى معصية.
وقد جرب أن كل من أحكم سد باب جملة المعاصي لم ترد له دعوة لأنه يصير كالملائكة.
فلا تقع يا أخي في المعاصي وتطلب إجابة دعائك فإن ذلك لا يكون، وإن كان فهو استدراج، فكما دعاك الحق تعالى إلى طاعته فلم تجبه كذلك دعوته فلم يستجب لك، وكما أسرعت إلى طاعته حين دعاك إليها، كذلك أسرع الحق تعالى بإجابتك على الفور * (جزاء وفاقا) *.
ومن وصية الشيخ أبي النجا سالم المدفون بمدينة نوى لأصحابه وهو محتضر: اعلموا أن الوجود كله يعاملكم على حسب ما برز منكم، فانظروا كيف تكونون؟ اه.