قال: وأما قصة عائشة رضي الله عنها فإنما أمرت بالخروج لأنها كانت آفاقية ثم نفست فأمرت بالقضاء على صورة ما فاتها اه، والجمهور على خلافه.
فدر يا أخي مع السنة ولا تدر مع كشفك أو عقلك، فإن الله تعالى إنما جعل الأجر والثواب والدرجات لمن كانت أعماله تبعا لما شرعه الله تعالى، وكأن لسان حال الشارع يقول: من يأت من الأمة إلى حضرتي من تلك الطريق البعيدة طردته ولم أمكنه من شهودي.
وتأمل يا أخي شأن الحق تعالى تجده أقرب إلينا من حبل الوريد، ومع ذلك أسدل الحجاب بيننا وبينه، حتى أننا رأيناه من حيث التنزيه أبعد من كل شئ، فلما صرنا كذلك أمرنا بالسلوك ثانيا، كالذي كان في مكان بعيد ثم رجع إلى محل القرب الذي كان مقيما فيه أولا، فلا نزال سالكين والحجب ترفع حتى نعود إلى محل بروزنا من حضرة القرب، فلو طلبنا أن ندخل حضرة القرب من غير سلوك لم يصح لنا ذلك.
وإيضاح ذلك أن تنظر يا أخي في حضرة الحق تعالى قبل أن يخلق المخلوقات كلها، فتجد ليس هناك إلا الله تعالى ثم أنت، ولا تقول بفناء الشاهد، لأننا إذا نفينا أنفسنا فمن هناك يشهد الحضرة أو يتعقلها؟ فافهم. فلا يزال الحق تعالى كلما خلق واحدا أخذ الواحد مكانا في شهودك وبعد الحق في وهمك، إذ لا حلول ولا اتحاد، فلا تزال دائرة الخلق تتسع في الشهود وتنبسط بتكثر أفراد الوجود شئ بعد شئ ودائرة الحق تعالى تضيق في شهودك حتى لا تكاد ترى الحق تعالى أبدا، لأنك إنما تشاهد خلقا، حتى أن بعضهم لما اتسعت عليه الدائرة عطل فخسر الدارين، فإنه ما زال يشهد دائرة الخلق تتسع وكل شئ وقف عقله عليه من جبل أو بحر أو فضاء، يقول له نور الإيمان فما وراء ذلك، فإذا قال سماء أو بحرا أو جبلا أو فضاء قال له: فما وراء ذلك؟ فلما تاهت عقول المنزهين لله تعالى هذا التوهان أوجب الله تعالى عليهم السلوك بأعمال مخصوصة أرسل الله بها رسله إليهم، وقال إن طلبتم القرب من حضرتي من غير باب ما شرعته لكم لا تزدادون من حضرتي إلا بعدا، فقالوا سمعا وطاعة، فلا زالوا يعملون بالشريعة، ودائرة الخلق تضيق بنقص أفرادها التي تكثر بها الوجود واحد بعد واحد، ودائرة الحق تتسع حتى يرجعوا إلى الحال الأول فلا يرون إلا الله. فلا يقال فلأي شئ ما أوقف الله تعالى عباده في الحضرة التي شردوا عنها أولا وأغناهم عن هذا التعب. لأنا نقول ما سبق العلم أن يكون الرقي في الدرجات إلا