فنفرت منه إلى بيت أهلها فحصل له غم شديد، فخرج إلى السوق فبينما هو مغموم إذ وقف عليه شخص مشهور بالخلاعة فيقف على الواحد يطلب منه جديدا، فإذا أعطاه له لا يفارقه حتى يقول له سكني عشر سكان، فأعطاه ابن البساطي الجديد، فقال أعطني السك فقال يا سيدي الشيخ أعتقني من ذلك فإني مغموم، فما زال به حتى أخرج عينه فيه وسكه عشر سكات ملاح، فقال له حاجتك مقضية من جهة ابنة عمك، ولكن هات لنا في المقبرة الفلانية تحت الجبل المقطم أربعين رغيفا، في كل رغيف نصف رطل جبن مقلي، وهات معك إبريقا كبيرا ملآن ماء، ففعل ذلك وحمله عند الفجر، ثم نظر من شق الباب فوجد جماعة مطرقين عليهم خمر وهيبة ينتظرون صلاة الصبح، وإذا بالرجل الذي سكه أمامهم فقال للحاضرين: من يقضي حاجة هذا الذي على الباب ويدخل ما معه؟
فقال شخص أنا، ففتح الباب وكشف عن عورة ابن البساطي، ومسح بريقه على موضع البرص فذهب لوقته ثم قال له هاهي خارجة من بيت عمك، جاءت إلى بيتك، فرجع فوجدها في البيت فقال لها من جاء بك؟ فقالت حصل لي غم ما كنت إلا مت، فلولا جئت لك طلعت روحي، فكتم ذلك عنها فبعد أيام، وإذا بالشيخ داخل سوق الوراقين وهو يقول: ما يضر الإنسان غير لسانه فكل من رأى شيئا وقال لا رأيت ولا نظرت، سلم، وكل من قال رأيت رد إليه كل شئ إلى موضعه يعرض بتلك الواقعة، فلما وصل إليه قال أعطني جديدا، فقدم إليه الحق الذي فيه الغلة، وقال يا سيدي: خذ ما تختار، فقال ما آخذ إلا الجديد، فأعطاه له: فقال كمل لي عادتي بالسك فذاب ابن البساطي من الحياء ولا يقدر يفشي سره، فقال له تشفعت عندك بسيد المرسلين تعتقني من السك، فقال له عتقك بشرط الكتمان، فلم يتكلم ابن البساطي حتى علم بموته.
وحكى لي شيخ الإسلام المحدث الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري بمصر عن شيخ الإسلام صالح البلقيني أن والده الشيخ سراج الدين مر يوما بباب اللوق فوجد هناك زحمة. فقال ما هذه الزحمة؟ فقالوا له: شخص من أولياء الله يبيع الحشيش، فقال لو خرج الدجال حينئذ في مصر لاعتقدوه من شدة جهلهم. كيف يكون شخص حشاش من أولياء الله؟ إنما هو من الحرافيش ثم ولى فسلب الشيخ جميع ما معه حتى الفاتحة، فتنكرت عليه أحواله وصارت الفتاوى تأتي إليه فلا يعرف شيئا ونسي ما قاله في حق الحشاش، فمكث كذلك في مدرسته بحارة بهاء الدين ثلاثة أيام، فدخل عليه فقير فشكى إليه حاله