وسمعت أخي الشيخ أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول أيضا: من شرط الفقير أن يرى نفسه كصاحب الكتبة من الحشيش واللواط والزنا وغير ذلك، فإذا قال له شخص من المسلمين ادع لي يكاد يذوب حياء وخجلا لأن معاصيه مشهودة له على الدوام.
ورأيته مرة في وليمة فقال له شخص من العلماء، ادع الله لي فصار يعرق جبينه ولم يقدر ينطق من البكاء وقال لي ما كان إلا قتلني هذا.
ولما أراد التزوج عرض عليه الناس بناتهم فكان كل من خطبه لابنته يقول يا أخي بنتك خسارة في مثلي فلم ير نفسه أهلا لواحدة يتزوجها، ثم قال لي: ما رأيت يقارب شكلي ورذالتي إلا عرب الهيتم الذين يطوفون على أبواب الناس يأكلون الطعام الذي يصبه الناس على المزابل في أقنية بيوتهم رضي الله عنه.
وقد قلت مرة لصاحب كتبة ادع لي فاستحيى وعرق جبينه وقال يا سيدي لا تعد من فضلك تقول لي ذلك تؤذيني، فإني والله لما قلت لي ادع لي رأيت نفسي كيهودي قال له شيخ الإسلام ادع لي.
وكان سيدي أبو المواهب الشاذلي يقول حكم الملك القدوس أن لا يدخل حضرته أحد من أهل النفوس.
وكان سيدي إبراهيم الدسوقي يقول: لا تبرز ليلى لمن يطلب على الوقوف بين يديها عوضا منها وإنما تبرز لمن يرى الفضل والمنة لها التي أذنت له في الوقوف بين يديها.
وكان يقول من كان الباعث له على حب القيام بين يدي الله تعالى في الظلام لذته بمناجاته فهو في حظ نفسه ما برح، لأنه لولا الأنس الذي يجده في مناجاته ما ترك فراشه وقام بين يديه، فكأن هذا قام محبة في سواه وهو لا يحب من أحب سواه إلا بإذنه، فإن الأنس الذي يجده في قلبه سواه بيقين.
وكان يقول: ما أنس أحد بالله قط لعدم المجانسة بينه وبين عبده بوجه من الوجوه، وما أنس من أنس إلا بما من الله تعالى من التقريب الإلهي، لا بالله تعالى.
ومن هنا قامت الأكابر حتى تورمت منهم الأقدام لعدم اللذة التي يجدونها في عباداتهم، فإن اللذة تدفع الألم فلا يتورم لهم أقدام، فاعلم أن عبادتهم لله تعالى محض تكليف لا يدخلها اللذة، ولو دخلها لذة لكانوا عبيدها وهو مطهرون مقدسون عن العبودية لغير الله تعالى.