يعني المتطهرين بالتوبة أو بالماء أو بالتراب، فهو لمن لم يتب لعدم ذنبه أحب إليه تعالى كالأنبياء والملائكة، لأنهم ليس لهم ذنوب حقيقة يتوبون منها، وما قال الله تعالى * (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) * إلا جبرا لخلل من نفذت فيه الأقدار وتكررت عليه المعاصي، وطلب الإقالة منها فلم يقل كما أشعر به: قوله التوابين: أي من تكرر منهم التوبة بتكرر الذنب فافهم.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إنما كان صلى الله عليه وسلم يقول:
" " إني لأتوب وأستغفر الله في اليوم كذا وكذا مرة " ".
تشريعا لأمته ليستنوا به، وإلا فاعتقادنا أنه صلى الله عليه وسلم لا ذنب له في نفس الأمر، إنما هو ذنب تقديري.
ولا يخفى أن التوبة من جملة المقامات المستصحبة للعبد إلى الممات لقوله تعالى * (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) * فلا يستغني عنها مؤمن، ولو ارتفعت درجته حتى يدخل الجنة، فتنقضي حضرة اسمه تعالى التواب لزوال التكليف، وقد يكون حكم التواب في الجنة كحكمه قبل وجود التكاليف، فيكون توابا بالقوة لا بالفعل حقيقة.
واعلم أن من فضائل الصلاة أن العبد إذا وقف بين يدي الله عز وجل نادما مستغفرا لا يرده الله إلا مقبول التوبة التي هي الرجوع إلى كشف الحجاب بعد أن كان محجوبا حتى وقع في الذنب، فإذا رفع حجابه وجد الله تعالى فاعلا دون العبد إلا بقدر نسبة التكليف فقط، وهناك يخف ندمه ضرورة قهرا عليه، ولو أراد أن يندم كما كان في حال الحجاب لا يصح له وثم مقام رفيع ومقام أرفع، ولولا أن في شدة الندم تعظيم أوامر الله تعالى وتعظيم الوقوع في المخالفات لكانت شدة الندم إلى الشرك أقرب، وذلك لأنه يؤذن بترجيح كونه فاعلا دون الحق، فمن رحمة الله تعالى بالعبد أن حبسه في مقام شركة نفسه مع الله تعالى في الفعل حتى يحكم ذلك المقام قبل أن ينقله إلى ما فوقه.
فإن قيل: إن الأكابر من الأنبياء بكوا حتى نبت العشب من دموعهم. وبكى آدم حتى صارت دموعه بركة ماء يشرب منها الدواب والهوام نحو ثمنين سنة كما ورد، وهؤلاء لا يتصور في حقهم أنهم يرون شركة نفوسهم في الفعل مع الله تعالى إلا بقدر